بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 4 ديسمبر 2014

أبو القاسم القشيري (376 هـ - 465 هـ)

أبو القاسم القشيري
(376 هـ - 465 هـ)




هو أبو القاسم عبد الكريم القشيري ، بن هوازن ، بن عبد الملك ، بن طلحة ، عالم دين ، وعارف صوفي ، قطب من أقطاب الصوفية ، وصاحب الرسالة القشيرية ، " لُقِبَ بإمام الصوفية " ، و لُقِبَ أيضاً بـ "زين الإسلام". من كبار علماء ومدرسي ، الفقه ، والأصول ،والكلام ، والتفسير ، والحديث ، والعرفان (التصوف النظري) ، كما يعتبر من أبرز المربين والمهذبين للسلوك الى الله تعالى ، وهو أديب وشاعر ..

مولده ونشأته :

ولد القشيري ،بقرية تدعى "إستو" من قرى "نيشابور" الكائنة بإقليم خرسان ،الواقعة في مقاطعة خراسان شمالي ،شرق إيران قرب العاصمة الإقليمية مشهد ، كان ذلك في ربيع الأول من سنة 346 هـجري قمري . توفي أبوه وهو طفل صغير وبقي في كنف أمه إلى أن تعلم الأدب، والعربية، ثم رحل بعد ذلك من "إستوا" إلى نيسابور (نيشابور) قاصدا تعلم ما يكفيه من طرق الحساب لحماية أهل قريته من ظلم عمال الخراج. فكانت هذه الرحلة تعبر في جوهرها عن أهم حلقات الآثار النفسية التي ترسبت في شخصية القشيري، والتي اتضحت فيما بعد في مواقفه أمام سلطة عصره .

رحلته العلمية :

و أثناء هذه الرحلة حضر حلقة الإمام الصوفي الشهير بأبي علي الدقاق (المتوفي سنة 406 هـجري قمري) ، وكان لسان عصره في التصوف ، وعلوم الشريعة ، والعقيدة ، فقبل القشيري حضور حلقته ، بشرط أن يحصل العلوم الدينية ، اصولها وفروعها ، ويتقنها ،وهذا ما يفسر دعوة القشيري في مشروعه الإصلاحي إلى الملازمة بين علوم الشريعة والحقيقة ، وقد قبل هذا الشرط وعكف على دراسة الفقه عند أئمته ، ولما انتهى منه حضر عند الإمام أبي بكر بن فورك (المتوفي سنة 406 هـجري قمري) ليتعلم الأصول ، فبرع في الفقه والأصول معا، وصار من أحسن تلاميذته ضبطا ، وسلوكا .

وبعد وفاة أبي بكر ، اختلف إلى الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني (المتوفي 418 هـ)، وقعد يسمع جميع دروسه ، وبعد أيام ، قال له الأستاذ : هذا العلم لا يحصل بالسماع ، فأعاد عليه ما سمعه منه، فقال له : لست تحتاج إلى دروسي بل يكفيك أن تطالع مصنفاتي، وتنظر في طريقتي وإن أشكل عليك شيء طالعتني به : ففعل ذلك وجمع بين طريقته وطريقة ابن فورك .

ثم نظر في كتب القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني، وبذلك صار القشيري بارعا في الفقه، والأصول ،مما دفع بالجويني إمام الحرمين ، أن يصاحبه، ويحج معه رفقة أبي بكر البيهقي ، ولم يقتصر القشيري على الفقه والأصول ، بل كان متحققا في علم الكلام ،ومفسرا ، ونحويا ولغويا، وأديبا ، و مؤلفاً ،وشاعراً ..

و هكذا حقق الإمام القشيري ما طلبه منه أستاذه "الدقاق" في تحصيل علوم الشريعة والعقيدة ،كل ذلك وهو يحضر حلقات أستاذه "الدقاق" في العرفان (التصوف النظري) ، والمباحث النفسانية ،إلى أن رأى فيه قبسا من النبوغ، والعطاء فزوجه كريمته ومات أبو علي الدقاق ، وهو في غاية الاطمئنان على محاضرات العرفان (التصوف النظري) بين يدي تلميذه الذي أجمع أهل عصره على أنه سيد زمانه، وقدوة وقته، وبركة المسلمين في ذلك العصر ، وعندما نال القشيري هذه الشهادة أصبح أستاذ خراسان بدون منازع .

مؤلفاته :

صنف القشيري العديد من الكتب والرسائل ، غير أن مصادر التاريخ تذكر أن أغلب مصنفاته فقدت، ومن أهمها :

الرسالة القشيرية في التصوف.
لطائف الإشارات، تفسير للقرآن الكريم في ست مجلدات.
كتاب القلوب الصغير، والكبير.
شكاية أحكام السماع.
شكاية أهل السنة.
ناسخ الحديث ومنسوخه.
ديوان شعر.
القصيدة الصوفية.
الحقائق والرقائق، مخطوط بمكتبة جيستر بيتي (دبلن) أيرلندة رقم 3052.
فتوى محررة في ذي القعدة سنة 436 هجرية أوردها السبكي في طبقاته الجزء الثالث.
آداب الصوفية، مفقود.
كتاب الجواهر، مفقود
كتاب المناجاة، مفقود.
رسالة ترتيب السلوك، ظهرت مترجمة بالألمانية سنة 1962 م بقلم فرتزماير Fritz Meier بمجلة Oriens. وتوجد مخطوطة بالخزانة الملكية بالرباط.
بُلغة القاصد.
منثور الخطاب في مشهور الأبواب. مخطوط بالخزانة الملكية بالرباط.
المنشور في الكلام على أبواب التصوف. مخطوط بالخزانة الملكية بالرباط.
عيون الأجوبة في أصول الأسئلة. مفقود.
شرح أسماء الله الحسنى، أو التحبير في التذكير.

وفاته

توفي القشيري سنة 465 هـجري قمري .


الشيخ أبو العباس المرسي (رضي الله عنه)


الشيخ أبو العباس المرسي

(رضي الله عنه)

 

 

الشيخ أبو العباس المرسي (مرسي أبو العباس) ، عالم دين ، وعارفٌ صوفي ،من كبار منظري التصوف النظري  ، وواحد من شيوخ السلوك والمربين في التصوف العملي ، وهو من أبرز رجال  الطريقة الشاذلية .

 

نسبه ونشأته :

 

هو شهاب الدين أبو العباس ، أحمد بن حسن ، بن على الخزرجى الأنصارى المرسي ، ولّد بمدينة مرسية ، في الأندلس (اسبانيا) ، ومنها حصل على لقبه المرسي ، والذي أصبح اسماً متدوالاً في مصر ،  يتصل نسبه بالصحابي سعد بن عبادة ، ولد عام 616 هـجري قمري ، الموافق لـسنة  1219 ميلادي ، و نشأ في عائلة كريمة ، متدينة وملتزمة ، معروفة بحبها لآل البيت الكرام (رضي الله عنهم) ،ومشهورة بالورع والتقوى ،وتربى في بيئة صالحة ، وجو مفعم بالإيمان ، هذا ما أعده  لسلوك طريق أهل العرفان  والإلتزام بمبادئ التصوف .

دراسته وسلوكه :

 

حفظ القرآن العظيم ،وبعض المقدمات ،ثم  درس علوم اللغة العربية ، وتعلم أيضا العلوم العقلية ،فدرس المنطق وبعض المقدمات في الفلسفة ، وكان هذا مقدمة لدراسة العلوم الدينية ، فدرس اصول الدين  وفروعه ، و أخذ هذه العلوم ، العقيدة والشريعة ،على كبار علماء عصره ، كما أخذ في العرفان (التصوف النظري) على كبار شيوخ الحقيقة ،وأخذ العهد أو ما يعرف في بلاد المغرب العربي بـ (الميثاق) ، على يد شيخه أبي الحسن الشاذلي ، الذي قال له : « يا أبا العباس ما صحبتك إلا لتكون أنت أنا، وأنا أنت » ، أقام أبو العباس في الأسكندرية ثلاث وأربعين سنة، ينشر المعارف الدينية ، ويهذب ويربي  النفوس، ويُضَربُ المَثلُ بورَعه وتقواه ، تربى على يديه عدد كبير من العلماء، أبرزهم ابن عطاء الله السكندري .

*التربية والتهذيب في السلوك الى الله ،هو ما يعرف بالتصوف العملي* 

وفاته :



انتقل إلى جوار ربه في 25 ذو القعدة سنة 686 هـجري قمري  ودفن في الإسكندرية في مقبرة باب البحر .

  

بن عطاء الله السكندري



بن عطاء الله السكندري
(658 هـ / 1260م - 709 هـ / 1309م).
 
 

بن عطاء الله السكندري ،فقيه مالكي ،وصوفي جنيدي ، شاذلي الطريقة، أشعري العقيدة ، كان أحد أركان الطريقة الشاذلية الصوفية، لُقِبَ بـ "قطب العارفين" و"ترجمان الواصلين" و"مرشد السالكين". كان رجلاً صالحاً ،وعالماً فاضلاً ، وعابداً متبتلاً ،وخطيباً مفوهاً ،يلقي الدروس ويعظ من على كرسيه ، بالجامع الشريف في الأزهر ، ويحضر ميعاده خلق كثير ، وكان لوعظه تأثير في القلوب ، وكان له معرفة تامة بكلام أهل الحقائق ، وأرباب السلوك ، وله ذوق ومعرفة بكلام الصوفية وآثار السلف ، وكان ينتفع الناس بإشاراته ، وله موقع في النفوس ، كان عالماً في أصول الدين وفروعه ،عارفاً بحقائق أهل السلوك ،كان قطباً من أقطاب الصوفية وله كلام في التصوف العملي والنظري .

اسمه ونشأته :

هو تاج الدين ، أبو الفضل أحمد ،بن محمد ،بن عبد الكريم ،بن عبد الرحمن ،بن عبد الله ،بن أحمد ،بن عيسى ،بن الحسين ،بن عطاء الله الجذامي نسباً ، وفد أجداده المنسوبون إلى قبيلة جذام ، إلى مصر بعد الفتح الإسلامي ،واستوطنوا الإسكندرية ،حيث ولد ابن عطاء الله حوالي سنة 658 هـجري الموافق 1260ميلادي ، ونشأ كجده لوالده الشيخ أبي محمد عبد الكريم بن عطاء الله ، فَقيهاً يَشتغل بالعلوم الدينية ، الشَرعية منها والعقدية ، حيث تلقي منذ صباه العلوم الدينية واللغوية ، والفلسفية .

سلوكه :
طريق التصوف :

كان الشيخ ابن عطاء الله السكندري ،في أول حاله منكراً على أهل التصوف ،حتى أنه كان يقول: "من قال أن هنالك علماً غير الذي بأيدينا فقد افترى على الله عز وجل". فما أن صحب شيخه أبو العباس المرسي ،واستمع إليه بالإسكندرية ،حتى أعجب به إعجاباً شديداً وأخذ عنه طريق الصوفية ،وأصبح من أوائل مريديه ،وصار يقول عن كلامه القديم : " كنت أضحك على نفسي في هذا الكلام " ، ثم تدرج بن عطاء السكندري في منازل العلم والمعرفة حتى تنبأ له الشيخ أبو العبَاس يوماً فقال له: "الزم، فوالله لئن لزمت لتكونن مفتياً في المذهبين" يقصد مذهب أهل الشريعة ، ومذهب أهل الحقيقة ، ثم قال: "والله لا يموت هذا الشاب حتى يكون داعياً إلى الله وموصلاً إلى الله ، والله ليكونن لك شأن عظيم والله ليكونن لك شأن عظيم ،والله ليكونن لك كذا وكذا" فكان كما أخبر.

تلاميذه :

أخذ عن ابن عطاء الله الكثير من التلامذة، منهم:

ابن المبلق السكندري.
تقي الدين السبكي ، شيخ الشافعية.

كتبه :

ترك ابن عطاء الكثير من المصنفات والكتب منها المفقود ومنها الموجود، لكن أبرز ما بقي له :

لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس ،وشيخه أبي الحسن.
القصد المجرد في معرفة الإسم المفرد.
التنوير في إسقاط التدبير.
أصول مقدمات الوصول.
الطريق الجادة في نيل السعادة.
عنوان التوفيق في آداب الطريق، شرح بها قصيدة الشيخ أبو مدين (ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا).
تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس.
مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الله الكريم الفتاح.
الحكم العطائية على لسان أهل الطريقة، وهي أهم ما كتبه وقد حظيت بقبول وانتشاراً كبيراً ولا يزال بعضها يُدرس في بعض كُليات جامعة الأزهر، كما تَرجم المستشرق الانجليزى آرثر اربري الكثير منها إلى الإنجليزية، وترجم الأسباني ميجيل بلاسيوس فقرات كثيرة منها مع شرح الرندى عليها.

وفاته :

توفي الشيخ ابن عطاء الله السكندري ،كهلا بالمدرسة المنصورية ، في القاهرة ، سنة 709 هـجرية ، ودفن بمقبرة المقطم بسفح الجبل بزاويته التي كان يتعبد فيها ، ولا يزال قَبره مَوجوداً إلى الآن بجبانة سيدي على أبو الوفاء ،تحت جبل المُقطمِ ، من الجهةِ الْشرقية لجبَانة الإمام الليث ، وقد أقيم على قبره مسجد في عام 1973

قال العلماء عنه :

أحمد زروق : كان جامعاً لأنواع العلوم من تفسير وحديث وفقه ونحو وأصول وغير ذلك كان متكلماً على طريق أهل التصوف واعظا انتفع به خلق كثير ،وسلكوا طريقه.

ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة : صحب الشيخ أبا العباس المرسي، صاحب الشاذلي، وصنف مناقبه ومناقب شيخه، وكان المتكلم على لسان الصوفية في زمانه.

الذهبي : كانت له جلالة عظيمة، ووقع في النفوس، ومشاركة في الفضائل، وكان يتكلم - بالجامع الأزهر فوق كرسي - بكلام يروّح النفوس.

ابن الأهدل: الشيخ العارف بالله، شيخ الطريقين وإمام الفريقين، كان فقيهاً عالماً ينكر على الصوفية، ثم جذبته العناية فصحب شيخ الشيوخ المرسي ، وفُتح عليه على يديه وله عدة تصانيف، منها الحكم ، وكله مشتملة على أسرار ومعارف، وحكم ولطائف، نثراً ونظماً. ومن طالع كتبه عرف فضله.
 

الأربعاء، 3 ديسمبر 2014

العلامة الشيخ محمد العربي التباني (رضي الله عنه)



العلامة الشيخ محمد العربي التباني 
(رضي الله عنه)



العلامة، الفقيه ،و المؤرخ، الأديب، المؤلف ، الشيخ محمد العربي بن التباني،  بن الحسين ، بن عبد الرحمن ، بن يحيى ، التباني ،السطايفي ،الجزائري ،المالكي ،الأشعري ،الجنيدي ، المدرس بالحرمين الشريفين المدني ،والمكي ،ومن أبرز شيوخ مدرسة الفلاح بمكة المكرمة .

ولادته :

هو العلامة الشيخ محمد العربي بن التباني ،بن الحسين ، بن عبدالرحمن ،بن يحيى ،بن مخلوف ،بن أبي القاسم ،بن علي بن عبد الواحد ، لُقب بالتباني  ،نسبة إلى مسقط رأسه ،ومكان تواجد قبيلته ،منطقة أولاد تبان ، الكائنة بولاية سطيف ،والى أصوله التي تعود إلى أولاد تبان ،وهم بطن من المرتفع من الأثبج الهلاليين ، ولد بمنطقة أولاد تبان ،التابعة الى دائرة صالح باي ،الموجودة بولاية سطيف في الجزائر ، سنة 1315هـجرية ، (حوالي 1897-1898 ملادية) ، وقيل بأنه ولد بمنطقة رأس الواد .

الدراسة والشيوخ :

تلقى تعليمه الأوّلي في الزاوية العلمية الكائنة بقريته حيث حفظ القرآن الكريم ،وعمره اثنا عشر عاماً، وحفظ معه بعض المتون كالأجرومية ،والعشماوية ،والجزرية ، وقد تلقى هذه العلوم وهو في كفالة والده ، ثم تلقي مبادئ العقائد ،والنحو ،والفقه ، على عدد كبير من المشايخ من أجلهم الشيخ عبدالله بن القاضي اليعلاوي رحمه الله تعالى ، وبعد ذلك رحل إلى تونس ،ومكث بها أشهراً ،تلقى أثناءها دروسا في جامع الزيتونة ، المعروف والمشهور بكبار العلماء ،من لغويين ،وفقهاء ،ومتكلمين ، ومناطقة ، واصوليين ،ومفسرين ،ومحدثين ، فدرس الفقه ، وعلوم اللغة العربية من النحو ،والصرف ،والبلاغة ..كما أخذ دروساً في علم التجويد ، أداء وقراءة ،عبر نظم الجزرية ،مع حفظه لبعض المتون الأخرى ،غير التي حفظها في الجزائر ، ثم رحل إلى المدينة المنورة ،مدينة النبي الحبيب سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ،قبيل الحرب العالمية ،فأدرك فيها مشايخ أجلاء لازم دروسهم، ومنهم الحافظ العلامة أحمد بن محمد خيرات الشنقيطي التندغي (رحمه الله) ، وقرأ عليه مختصر خليل ، والرسالة البيانية ،وسيرة بن هشام ،والمعلقات السبع ،وديوان النابغة ،وسنن أبي داود .
لازم أيضاً دروس العلامة حمدان الونيسي القسنطيني الجزائري ، (ت 1338 هـ /1920م) فقرأ عليه ،تفسير الجلالين ،و ألفية بن مالك بشرح ابن عقيل .
ومن مشايخه أيضاً : الشيخ عبد العزيز التونسي (ت 1336 / م) حيث قرأ عليه قسماً من موطأ الإمام مالك بشرح الزرقاني ، وقطعة من ألفية بن مالك بشرح الأشموني ، كما قرأ على قاضي قرية شنقيط ،المعلقات السبع ،ونظم أنساب العرب ، للحافظ البدوي الشنقيطي .
لينتقل بعد ذلك إلى المدينة المنورة ،حيث لازم فيها كبار العلماء و على رأسهم علماء مذهب إمام أهل المدينة ،الامام مالك ، ومنهم :

العلامة أحمد بن محمد خيرات الشنقيطي التندغي :
قرأ عليه شرح الشيخ الدردير على مختصر خليل بن اسحاق ، والرسالة البيانية ، وسيرة ابن هشام والمعلقات السبع وديوان النابغة وسنن أبي داود.
 
محمد محمود الشنقيطي .
 
ثم رحل إلى دمشق حيث اغتنم إقامته بها لزيارة المكتبة الظاهرية ولا نعرف إن كان درس بها على علمائها .
 
بعد ذلك قصد أم القرى مكة المكرمة ،التي دخلها في شهر رجب عام 1336 هـ. وفيها أخذ عن:

عبد الرحمن الدهام (ت 1337 / م) قرأ عليه شرح شيخ الإسلام زكريا الأنصاري.
الشيخ مشتاق أحمد الهندي .

كما كان مشهورا بحب المطالعة، إذ تمكن من ختم قراءة الكثير من الكتب.

التدريس :

عين مدرسا بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة سنة 1338 / م. وبالموازاة مع وظيفته الرسمية كان يدرس بالحرم المكي الشريف ،بباب الزيادة ،ثم بحصوة باب العمرة "بين بابي الباسطية والزيادة"، بين المغرب والعشاء، خمس ليال في الأسبوع بداية.
ثم اختصر دروسه على ليلتي الجمعة والسبت في الحرم المكي حيث كان يدرس الجامع الصغير للحافظ السيوطي ،والسيرة ،  كما كان يدرس في منزله لكبار الطلبة يومياً.

كان يدرس الحديث ،والتفسير ،والأصول ،والبلاغة ،والتاريخ الإسلامي ، معتمدا على العديد من أمهات الكتب ،و الأصول، كموطإ الامام مالك، والصحيحين ،والجامع الصغير للسيوطي ، في الحديث، و تفاسير البيضاوي ،والنسفي وابن كثير في تفسير القرآن العظيم ، وجمع الجوامع ،وسيرة بن هشام ،وعقود الجمان .... الخ.
وللشيخ العربي التباني (رضي الله عنه) رأي في التأليف حيث جاء في حاشية كتابه (محادثة أهل الأدب بأخبار وأنساب جاهلية العرب)، قال : لا أميل إلى التأليف عملا بنظرية القائل ما ترك الأول للآخر شيئا..ً ثم قال: أستغفر الله من أن أقول هذا هضماً لحقوق العلماء الشارحين فإنهم عندي بالمكان الأعلى من التوقير والاحترام وما من شرح وحاشية إلا وفيه فوائد ، ولكن أقول هذه الكثرة لم تنتج شيئاً يقارب علم الأقدمين فضلاً عن مساواته.

تلاميذه :

تخرج على يديه تلاميذ كثيرون أصبحوا بعده قناديل تضيء ساحات الحرم المكي ، منهم:
علوي بن عباس المالكي
محمد نور سيف بن هلال
محمد أمين كتبي
محمد علوي المالكي
حسن مشاط


مؤلفاته :

من بين كتبه المطبوعة:

1 _ إتحاف ذوي النجابة بما في القرآن الكريم والسنة النبوية من فضائل الصحابة
2 _ تحذير العبقري من محاضرات الخضري
3_ اعتقاد أهل الإيمان بنزول المسيح بن مريم عليه وعلى نبينا السلام آخر الزمان
4_ خلاصة الكلام فيما هو المراد بالمسجد الحرام
5_ إسعاف المسلمين والمسلمات بجواز القراءة ووصول ثوابها إلى الأموات
6_ تنبيه الباحث السري إلى ما في رسائل وتعاليق الكوثري
7_ براءة الأشعريين من عقائد المخالفين
8_ محادثة أهل الأدب بأخبار وأنساب جاهلية العرب


كما له بعض الكتب المخطوطة:

1_ حلبة الميدان ونزهة الفتيان في تراجم الفتاك والجشعان
2_ براءة الأبرار ونصيحة الأخبار من خطل الأغمار
3_ مختصر تاريخ دولة بني عثمان
4_ إدراك الغاية من تعقب ابن كثير في البداية


وفاته :

توفي في صفر 1390 هـجري/أبريل 1970ميلادي بمكة المكرمة، وصلي عليه بالمسجد الحرام ودفن بمقابر المعلاه .




رسالة الشيخ التباني (رحمه الله) الى شيوخ عائلة حمادوش ،شيوخ زاوية قجال

الشيخ عبد الرحمن الثعالبي (رضي الله عنه)



الشيخ عبد الرحمن الثعالبي 
(رضي الله عنه)

الشيخ عبد الرحمن الثعالبي (رحمه الله) ، من كبار علماء دين في الجزائر ، مفكر ، فقيه ،ومتكلم ، ومن العلماء الذين خاضوا تجربة التفسير أو ألقوا بأنفسهم في بحره الذي لاساحل له ورجعوا بدُرره ولآلئه ،ملآ بروحه وبعاداته ما يسر لهم الطفو فوق النقائض والأنقاض ، والعلو على المشارب والإتجاهات ،وعلى الأحزاب والتيارات ،وتقريب الحاضر من الماضي ،تثبيتا للمبادئ ،وترسيخا للمثل ، واستدعاء الماضي الى الحاضر ،في صورة استعاب وتمثل ،وفي شكل استدراك وتمدد إن على مستوى الشكل ،وان على مستوى المعنى تحقيقاً لسعة القرآن ورحابته ،وانجازاً لسنارهاته واستشرافاته ،أو استطلاعاته ونبوءاته .

هو من منطقة القبائل ، المعروفة بالزوايا العلمية العريقة ، والمشهورة بدورها التعليمي ،والتربوي ،وتوعوي ،البارزة بنشاطها الإجتماعي من خدمة المستضفين وايواء عابري السيبل ،وتربية اليتامى وتعليمهم ، والعامرة بالعلماء من فقهاء ومحدثدين ومتكلمين ومفسرين ومناطقة ولغويين ،يعتبره الجزائريون رمزا لهم ، شيد على مرقده الشريف مسجدا ،واقيمت به زاوية كبيرة ،لنشر المعارف الدينية ،ولايسعني إلا أن اشيد بمنطقة القبائل وبالجنس الأمازيغي الذي أبان خلالاً كريمة وخصلاً حميدة ،إن هؤلاء هم أكثر من خدمة اللغة العربية والدين الإسلامي الحنيف ،وثبتوا أوتاده في هذه الأرض الطيبة ،أكثر من ذلك استقبلوا آل البيت (رضي الله عنهم) ورحبوا بهم وحموهم حيث صاهروهم ارادة لإختلاط دمهم بدم هذا النسل الشريف وسيدوهم وملكوهم أمرهم ، ما أكرم هؤلاء الخلق وما أشرفهم ،وما أشد تعلقهم بالفضيلة ،إن منتهم على أهل هذه البلاد العظيمة ،وإن عطاءهم للإسلام ليسع ما بين السماء والأرض ،لله درهم ،اللهم أقدرنا على توفية هؤلاء الناس حقهم .

مولده :

ولد الشيخ عبد الرحمن الثعالبي (رضي الله عنه) سنة 786 هجري / 1384 ميلادي ، بوادي يسر بمدينة يسر ،الواقعة حاليا بولاية بومرداس ،و القريبة تبعد بخمس كيلومترات عن مدينة برج منايل شمال شرق الجزائر العاصمة ، حيث تبعد عنها بمسافة 62,3 كلم ، وهذه المدينة هي موطن آبائه وأجداده ،الثعالبة ، يقال عنهم ،أبناء ثعلب بن علي ، من عرب المعقل ،الجعافرة .

نسبه :

هو أبو زيد ،عبد الرحمان، بن محمد ،بن مخلوف ،بن طلحة ،بن عامر ، بن نوفل ،بن عامر ،بن موصور ،بن محمد، بن سباع ،بن مكي ،بن ثعلبة ،بن موسى ،بن سعيد ،بن مفضل ،بن عبد البر ،بن فيسي ،بن هلال ،بن عامر ،بن حسان ،بن محمد ،بن جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) المعروف بجعفر الطيار

النشأة والتكوين :

نشأ الشيخ عبد الرحمن الثعالبي (رحمه الله) في بيئة علم ودين وصلاح، استهل تعلمه على يدي علماء منطقته ،ثم انتقل و تكون في الجزائر العاصمة ،ثم قصد المغرب الأٌقصى ،بصحبة والده محمد بن مخلوف (رحمه الله) فتعلم أصول الدين وفروعه ،واهتم بعلم الفقه ، فأخذ عن العجيسي التلمساني ، المعروف بالحفيد ،وزار مدينة بجاية فمكث بها سنة ثم عاد إلى مسقط راسه بعد وفاة والده (رحمه الله) بعدها رجع الى مدينة (بجاية) فنزل بها سنة 802 هجري / 1399 ميلادي ، بقي بها حوالي السبع سنوات، و تعلم على أبو الحسن علي بن عثمان المانجلاتي ، وأبو الربيع سلمان بن الحسن ، وأبو العباس أحمد الناقوسي ، وأبو القاسم المشدالي ، وأبو زيد الوغليسي ، وغيرهم ،ثم هاجر إلى تونس سنة 809 هجري / 1406 ميلادي ، فتعلم على الأبي ، والبرزلي تلميذ بن عرفة ،ثم ارتحل إلى مصر ،سنة 819 هجري / 1414 ميلادي ،فلقي بها البلالي ، وأبا عبد الله الباسطي ، وولي الدين العراقي وغيرهم، بعدها انتقل إلى تركيا ، ومنها قصد الحجاز ،فأدى فريضة الحج ، واختلف إلى مجالس العلم هناك، ثم قفل راجعا إلى مصر ،واصل دراسته بها ، ومنها رجع إلى تونس مرة اخرى ، فوافى بها بن مرزوق الحفيد التلمساني، فلازمه وأخذ عنه الكثير ،ثم عاد بعد هذه الرحلة الطويلة في طلب العلم والمعرفة إلى الجزائر، فاهتم بالتأليف و صار يلقي دروسه بأكبر مساجد الجزائر آنذاك ، تخرج على يديه كثير من العلماء، من بينهم :

1- الشيخ محمد بن يوسف السنوسي
2- الشيخ أحمد الزروق
3- الشيخ محمد المغيلي التلمساني
4- الشيخ أحمد بن عبد الله الزواوي
5- الشيخ محمد بن مرزوق الكفيف
وغيرهم.

تولى القضاء زمنا قصيرا، ثم تركه لينقطع إلى الزهد والعبادة، كما قام بالخطابة على منبر الجامع الأعظم ،بالجزائر العاصمة ،ويروى أن من بقايا آثاره المتبرك بها إلى اليوم بهذا المسجد (مقبض عصى خطيب صلاة الجمعة)

آثاره العلمية :

كان معروفا عن الشيخ عبد الرحمن الثعالبي (رضي الله عنه) ، أنه عالم زمانه في القطر الجزائري ، في علوم التفسير، والعقيدة، والفقه، والتصوف النظري ، وغيرها من العلوم الدينية الأخرى ،و هو أحد أعلام القرن التاسع الهجري ،ذلك لأن الإنتاج الفكري للثعالبي انتشر في مختلف مكتبات العالم العربي والإسلامي ،عكف الشيخ عبد الرحمن الثعالبي ،على التدريس والتأليف، وكانت معظم مصنفاته في علوم الشريعة، وقد ترك في هذا الحقل ما يزيد على تسعين مؤلفا في التفسير والحديث والفقه واللغة والتاريخ والتراجم

وغيرها، نذكر من بينها :

-1- تفسيره الجواهر الحسان في تفسير القرآن في أربعة أجزاء، طبع أول مرة بالجزائر سنة 1909 ميلادي ،ثم طبع طبعة ثانية في السنوات الأخيرة بتحقيق الدكتور عمار طالبي .
-2- روضة الأنوار ونزهة الأخيار في الفقه .
-3- جامع الهمم في أخبار الأمم .
-4- جامع الأمهات في أحكام العبادات .
-5- الأربعين حديثا في الوعظ .
-6- جامع الأمهات للمسائل المهمات مخطوط بالمكتبة الوطنية بالجزائر وهو في الفقه .
-7- رياض الصالحين وتحفة المتقين في التصوف ،مخطوط بالمكتبة الوطنية الجزائر تحت رقم 833 .
-8- وله مخطوطات في التوحيد ،واللغة ،والفقه ،في تنبكتو بمالي (النيجر القديمة) الشاوي التاريخي .
-9- الدر الفائق، والأنوار المضيئة بين الحقيقة والشريعة ،و يعنى بالتربية الروحية، وحقيقة الذكر .

وكان الشيخ عبد الرحمن الثعالبي (رحمه الله) ، مشارك في الصناعتين: يقرض الشعر ،ويكتب النثر، ومن شعره في الوعظ والزهد قوله :
و إن امرؤ أدنى بسبعين حجة * جديــر بأن يسعى معدا جهازه
و أن لا تهز القلب منه حوادث * و لــكن يرى للباقيات اهتزازه
و أن يسمع المصغى إليه بصدره * أزيزا كصوت القدر يبدي ابتزازه
فماذا بعد هذا العمر ينتظر الذي * يعمره في الدهــر إلا اغتراره ؟
وليس بدار الذل يرضى أخو حجى * ولكن يرى أن بالعزيـز اعتزازه

تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن :

لقد تأثر العلامة الثعالبي (رحمه الله) في تفسيره بمصادر مشرقية، كما تأثر بمصادر مغربية وأندلسية، فجاء تفسيره مزيجا بين الفكر المشرقي والفكر المغربي، حيث ضمنه المهم مما اشتمل عليه تفسير ابن عطية، وزاده فوائد من غيره من كتب الأئمة، حسبما رآه أو رواه عن الأثبات، وذلك قريب من مائة تأليف، وما منها تأليف إلا وهو منسوب لإمام مشهور بالدين، ومعدود في المحققين.

و الشيخ الثعالبي (رحمه الله) من بين المفسرين الجزائريين البارزين .

من أقواله :

يقول الثعالبي (رحمه الله) في كتابه الجامع الذي ذيل به شرحه لمختصر ابن الحاجب الفرعي ما نصه ،وينبغي لمن ألف أن يعرف بزمانه وبمن لقيه من أشياخه ،فيكون من يقف على تأليفه على بصيرة ،من أمره ويسلم من الجهل به ،وقد قل الاعتناء بهذا المعنى ،في هذا الزمان ،وكم من فاضل انتشرت عنه فضائل ،جُهل حاله بعد موته ،لعدم الاعتناء بهذا الشأن .
وقال عنه الشيخ أبو زرعة العراقي: الشيخ الصالح الأفضل الكامل المحرر المحصل الرحال أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي» ووصفه العلامة عيسى بن سلامة البسكري: «بالشيخ الصالح الزاهد العالم العارف أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي»، وقال عنه تلميذه الشيخ أحمد بن زروق المتصوف المشهور الذي له تآليف عديدة في التصوف والفقه منها ،شرحه لرسالة أبي زيد القيرواني في الفقه المالكي ،وشروحه العديدة للحكم العطائية وكتب اخرى : «كانت الديانة أغلب عليه من علمه»

وفاته :

توفي يوم الجمعة 23 رمضان 875 هجري ، وفي منتصف شهر مارس سنة 1471 ميلادي ،ودفن بالجزائر العاصمة ،وشيد مسجد جامع على مرقده الشريف ، واقيمت زاوية علمية كبيرة بجانب ضريحه لنشر المعارف الدينية.
وقد رثاه كثير من العلماء من معاصريه، كان من بينهم تلميذه أحمد بن عبد الله
الزواوي (رضي الله عنه) :
لقد جزعت نفسي بفقد أحبتي * وحق لها من مثل ذلك تجزع
ألمّ بنا ما لا نطيق دفاعـــه * وليس لأمر قدر الله مرجع



العلامة الشيخ عبد الرحمن الأخضري (رضي الله عنه) ( 920 - 954 هـجري / 1512 - 1545 ميلادي )


العلامة الشيخ عبد الرحمن الأخضري (رضي الله عنه)
( 920 - 954 هـجري / 1512 - 1545 ميلادي )


 
 


من هو العلامة الأخضري :

الشيخ عبد الرحمن الأخضري ،بن محمد الصغير ، بن محمد ، بن عامر ،الأخضري البنطيوسي ،البسكري ، الجزائري المالكي ، الأشعري ، الجنيدي ،كان عالماً عاملاً ، وتقياً ورعاً ،وعابداً متبتلاً ، متين التدين ، زاهداً عن الدنيا ،تام العقل مهاب الهيئة ، حسن العشرة ،قنوعٌ باليسير لا يخاف في الله لومة لائم وقد أعرض عن الفتيا حين اختلاف الكلمة ،قضى معظم حياته في خدمة العلم وأهله ،لقب بفارس المعقول والمنقول ،وهو من أبرز علماء الجزائر في القرن العاشر الهجري ، لقد أطبقت شهرته الآفاق وغدت تأليفه تدرس في شتى حواضر العلم والمعرفة ،من بغداد ،إلى الأزهر بالقاهرة ، إلى الزيتونة بتونس ،الى جامع القرويين بفاس ،الى المدينة المنورة .... ،آخر محطاته كانت منطقة قجال ،تفرغ للتدريس بجامعها العتيق ، الكائن في منطقة ڤجال التابعة لولاية سطيف الجزائرية ،والتي تقع جنوب شرق مدينة سطيف ،كانت له خلوة يتعبد بها في مقبرة ڤجال قرب ضريح ،الشريف مسعود الڤجالي الحسني ،توفي في منطقة ڤجال ونقل جثمانه الطاهر الى منطقة بنطيوس الموجودة بولاية بسكرة والتي تقع جنوب شرق الجزائر ، ودفن بها ،له مؤلفات عديدة والكثير منها مخطوط لم يطبع بعد

المولد والنشأة :

- ولد الشيخ عبد الرحمن الأخضري (رضي الله عنه) سنة (920 هـ/ 1512 م) ببلدة بنطيوس التي تبعد عن بسكرة بحوالي ( 30 كم) في عائلة مؤمنة ،ملتزمة ،عرفت بالعلم والورع والتقوى ،والده العالم المدرس محمد الصغير وأخوه الأكبر أحمد الأخضري ،كان عالما ومدرسا أيضا ،أخذ عن كليهما الفقه ،وعلوم اللغة العربية ،وعلم المواريث ،بعد أن حفظ القرآن العظيم ،وأتقن رسمه وتلاوته ،انتقل الى منطقة قسنطينة فواصل دراسته هناك ،بعدها هاجر الى تونس فدرس بڤفصة ثم جامع الزيتونة بتونس العاصمة .

التعليم :

بدأ التعلم بمسقط رأسه بنطيوس فتعلم القراءة والكتابة ،وحفظ القرآن العظيم ،وأتقن رسمه وتلاوته ،وأخذ عن والده الشيخ محمد الصغير (رضي الله عنه) وعن أخيه الشيخ أحمد الأخضري (رحمه الله) علم الفقه ،وعلوم اللغة العربية ،وعلم المواريث ، انتقل الى منطقة قسنطينة فواصل دراسته هناك ، بعدها هاجر الى تونس فدرس بڤفصة ،ثم جامع الزيتونة بتونس العاصمة ،تعلم على أبي يحيى بن عقبة ، وعلى أبي عبد الله القلجاني ،ثم عن ولده عمر القلجاني وكذلك عن قاسم العقباني ...أكمل دارسته في علوم اللغة العربية كما درس علم المنطق ودرس الفقه واصوله والكلام والحديث والتفسير ودرس علم الحساب ،تفوق في دراسته وحصل على اجازات في التدريس والفتيا .

التدريس :

رجع الى وطنه الجزائر وشرع في التدريس ،فزكاة العلم نشره ، آخر محطاته كانت ڤجال ،حيث حط الرحال بها ومكث بجامعها العتيق ،الذي يعرف اليوم بزاوية ڤجال أو زاوية بن حمادوش ، درس هناك الى أن وافته المنية .

الشيخ عبد الرحمان الأخضري ،و زاوية قجال :

إن تردد الشيخ عبد الرحمن الأخضري (رحمه الله) على زاوية قجال ،لم يكن ، لولا هذه العلاقة الروحية والعلمية التي كانت تربطه بالمكان وأهله ،مما يؤكد على المكانة الكبيرة التي كانت تحظى بها هذه القرية الصغيرة ،بحجمها الكبير ، بقداستها الروحية والعلمية ،عند العلماء ،وسائر من تعلم فيها ،أو زارها ، أو عرف أهلها ، وفي الأمثال العامية التي كثيرا ما تتردد على ألسنة أهل قجال ما يؤكد ذلك ، يقول المثل : " قجال ما يخلى والعلم ما يخطيه " ويعكس بعض جهلة زماننا المثل فيقولون : "قجال ما يعمر والذل ما يخطيه "

عبادته :

نُقِل عن شيوخ زاوية قجال وعلمائها ، ومنهم الشيخ القريشي مدني (رحمه الله) ،كذلك نقل عن الشيخ الزبير بن حمادوش (حفظه الله) وهو من كبار شيوخ الطريقة الرحمانية في منطقة سطيف : أن الشيخ عبد الرحمن الأخضري (رضي الله عنه) ، كان عالما عاملا ،وتقيا ورعا وعابدا صوفيا ، يقضي نهاره في التدريس ،فإذا ما أقبل الليل أوى إلى " خلوته " التي تقع بالقرب من مقام سيدي مسعود الإدريسي الحسني القجالي (رضي الله عنه) ، يتعبد ،ويتحنث ،ويصلي أغلب الليل ،وقبل الفجر يعود إلى المسجد ،ليستأنف نشاطه اليومي في التدريس أو التأليف ، وقد تناقل طلبة جامع قجال ،خلفهم عن سالفهم أبياتا شعرية قيل أنها وجدت مكتوبة في كفن الشيخ عبد الرحمن الأخضري (قدس الله سره) ، وهي كما يلي منقولة عن الأستاذ عبد المجيد حمادوش كان قد سجلها له الشيخ القريشي مدني بخطه في كناشة خاصة :

والرواية لأحد شيوخ زاوية قجال

و يا رب فأكرمه بعفوك ليلــــــــة ... ويروح بها ضيفا لقبره منزلا
فأنت الذي أوجبت للضيف حرمــــة ... وأكدت عليه بالمواساة عاجلا
فهذا بضيف الخلق ،كيف بضيفــــك ... فأكرمه نزلا عند وقف الرواحل
وحين انقضاض الناس للحي راجعا ... وبسط راح الكف للّحد عاجــلا
بجاه النبي الهاشمي محمـــــد ... عليه صلاة الله مني موصــلا

مختارات من شعر العلامة الأخضري (رضي الله عنه) :
من شعره الجيِّد و هي رائعة في الحقيقة ،في مدح الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله سلم) في 169بيتا ، جاء فيها :

الحمد لله طولَ الدّهر و العُمرِ---- ثم الصّلاة على المختار من مُضَرِ
يا ثاقب النور ما أسناك من قمرٍ---- هل اّطلعت على ارضٍ بها وطري
الفيتَ صبَّ الهوى يوما بعلّته----جهلا بحُبٍّ لما في الجهل من ضررِ
يا سايح الطرف ما للطّرف سابحةٌ----تغدو البطاحَ و لا تشكو من الضّجر
قَلا الصَّبابةُ لي و العين قد فصلت---- --و ما وجدت لهذا العين من أثر
اني ابيت من الاشواق في كمد----و ما سئمت من التخميم و السهر
فليس مثلي من السُّهارِ من أحد-----كيف السآمة للعشاق من سهر
قد هب ريح الصَّبَا و القلب منه حدى----و عاد حال الصِّبَا في المهد من صغر
قف يا حمامُ على رُبعٍ شغفت به---- واحمل سلامي إلى الحبيب و اختبر
جاش الحمامُ خلال الدار محتفلا---- و خالف القلب في أشواقه النكر
لما رأيت حمام الدار سَطَحَهُ---- شوق التلاقي إلى الاوطان و الوكر
تضرم القلب من اشواقه كمدا---- و عدت مثل تريف العقل من سكر
غنّى حمامُ الهوى بالشوق مظطربا---- فأضرم القلبَ نارُ الوجد بالسحَرِِ
فالقلب مظطرم و الروح نائحة---- و البث يؤلمني فلحزن كالابر
و النفس مني لذيذُ العيش فارقها---- و اسلمت نومَها العينانُ في السهر
اشتد حالي فما دائي بمنكشِفٍ---- و لا سمعت عن المحبوب من خبر
و العين مني قد انهملّت مدامعُها---- جوفَ الدُّجى لِتريقَ الدمع كالمطر
يا عاذلَ الصَّب انَّ الحبّ قاهره----كيف الحبيب سرى في السَّمع و البَصَرِ
انّ الصَّبابة لا تخفى غوائلها----و امرها من قديم الدّهر و العَصْر
و كم محِّبٍ قديم الشوق جرَعَهُ----كأس الحِمامَ فما للعُمرِ ذا بَطَر
و القلب مني بنار الشوقِ مشتعلٌ---- ما زالَ قلبٌ شديد الحُزنِ منكسرِ
واهتزّتِ الرّوحُُ بالأشواق واظطربتْ---- واثَّرَالحُبُّ فيها أيّمَا أَثَرِ
ان قلت ايّ حبيبٍ قد شغفتَ به----أقول هذا حبيب الله في البشر
محمدٌ خيرُ منْ يمشي على قدمٍ---- خيرُ الوَرَى سيِّدُ الأملاكِ و النُّدُرِ
هذا محمدٌ المخصوصُ بالشّرَفِ---- من جاء بالرّوحِ و التوسيعِ و البِشْرِ
هذا المقرّبُ هذا المستغاثُ به----هذا شفيع الورى في الموقِفِ النّكِِرِ
هذا رسول كريمٌٌ ما له كفؤٌ---------
أزكى الخليقة ذو جيدٍ و مبتسمٍٍ---- أصفى من الذّهب الإبريز و الدّرر
يزهو بوجه كريم البِسْطِ مبتهجٌ----بالعفو ملتحفُ كالبدر منسفـرِ
متوّج برداء العز مكتَنفٌ------- بالحسن متّصف ٌأسنى من القمر
هو النّبيّ الذي جلّت محاسنه------و ما لبهجته مثل من الصـور
أكْرِمْ بآيةٍ ما أبدت أناملُه------من خيرِ ماءٍ لذيذِ الطَّعمِ مُنهَمِر
و الإنشقاقُ لهذا البدرِ منزِلةً-------على الكواكب ما أسناه من قمرِ
تأسَّف الجِذعُ إنكارًا لفُرقَتِه-------و حنَّ مثلَ حنِينِ الطَّرْفِ و الجزر
و آية الغار لا تخفى عجائبها-------لمَّا اقتفاهُ رِجَالُ الكُفْرِ في نَفرِ
و العنكبوتُ ببابِ الغارِ قد نسَجَت-------و في الحمامةِ آيةٌ لمعتَبِرِ
لما رأى خيفة الصديق قال له ------- الله معنا فلا تخشى من الضرر
و كم تمنى أبو بكر يرافقه -------- قد نال و الله ما يرجوه من وطر
يا فوزه قد حوى في الخلد منزلة ------- مع الرسول بدار البسط و السرر

مؤلفاته :

ألف الشيخ العلامة (الأخضري) في شتى المعارف العقلية منها والنقلية ،فقد ترك أثراً في علوم الشريعة ،والحقيقة ،والرياضيات ، والفلك ، وعلم المنطق ، وعلوم اللغة العربية .... ومن أشهر مؤلفاته: - السلم في المنطق ،الذي ترجمه المستشرق الفرنسي لوسيان ، سنة 1921 ميلادي وقد عده من أعظم الكتب العالمية

ومن مؤلفاته :

• مختصر الأخضري في العبادات، على مذهب الإمام مالك
• نظم الجواهر المكنون في ثلاثة فنون :في علم البلاغة والبيان و البديع
• حلية اللب المصون على الجواهر المكنون.
• منظومة الدرة البيضاء في الفرائض والحساب.
• أرجوزة. الدرة البيضاء في أحسن الفنون والأشياء.
• نظم السلم المرونق في المنطق .
• شرح السلم المرونق المذكور.
• نظم السراج في علم الفلك
• نظم منثور ابن آجروم الدرر البهية على نظم الاجرومية
• نظم أزهر المطالب في هيئة الافلاك و الكواكب في علم الاسطرلاب
• قصيدة مدح النبي خالد بن سنان
• شعرالقدسية و اللامية في التصوف

• قصيدة نصيحة الشبان جاء فيها:
أُوصيكُم معاشرَ الشُبان *** عيكم بطاعة الرحمان
اياكم ان تُهمِلوا أوقاتَكم .... فتَندمُوا يومًا على ما فاتَكُم
انما غانمة الإنسان شبابه.... و الخسر في التوان
و ما أحسن الطاعة للشُبان ....فاسعو بذكرِ الله ياخوان
و عمِّروا أوقاتَكم بالطاعة.... و الذِّكر كلَّ لحظةٍ و ساعة
ومن تَفتُه لحظةٌ في عمرهِ.... تكونُ عليه حسرةً في قبرِهِ
من يكن فرط في شبابه ... حتى مضى عجبت من تبابه
ويا سعادة امرئ قضاه .... في عمل يرضى به مولاه
أحب ربي طاعة الشباب .... يا فوزهم بجنة الرضوان
فتب إلى مولاك يا إنسان .... من قبل أن يفوتك الأوان
ومن يقل إني صغير أصبر .... ثم أطيع الله حين أكبر
فإن ذاك غره إبليس .... وقلبه مغلق مطموس
لا خير فيمن لم يتب صغيرا .... ولم يكن بعيبه بصيرا
لما رأى خيفة الصديق قال له .... الله معنا فلا تخشى من الضرر

وفاته ومدفنه :

توفي الشيخ عبد الرحمن الأخضري بقرية قجال وقد اختُلِف في تاريخ وفاته فمن قائل أنه توفي في(954هـجري/1545 ميلادي) ومن قائل أنه توفي في (983هـجري/1575ميلادي) فعلى الرأي الأول يكون قد عاش ثلاثا وثلاثين سنة وهو المرجح عند أغلب المراجع التي ترجمت للشيخ الأخضري (رحمه الله) وما زال أهل قجال إلى اليوم يتناقلون كرامة من كرمات الشيخ عبد الرحمن الأخضري ظهرت عند تشييع جثمانه من قبل طلبته الذين حملوا جثمان شيخهم على أكتافهم وتوجهوا به إلى موطنه ومسقط رأسه بالقرب من بسكرة لدفنه هناك تنفيذا لوصيته , فعند وصولهم إلى الحامة بوطالب أصابهم إعياء شديد فطلب بعضهم بدفنه حيث وصل بهم المسير والرجوع إلى قجال فرفض الطلبة الذين كانوا يتميزون بتعلقهم الشديد بشيخهم وإصرارهم على تنفيذ وصيته فقرروا مواصلة الرحلة إلى نهايتها ،فما الذي حدث بعد ذلك ؟ تقول الرواية : أما الفريق الأول من الطلبة فقفلوا راجعين إلى قجال ، وأما الفريق الثاني فحملوا الجثمان الطاهر وساروا به فطوى الله تبارك وتعالى ،لهم الأرض طيا ، حيث تمكنوا من تنفيذ وصية شيخهم ودفنه في بنطيوس والرجوع إلى قجال ؛فكان وصولهم قبل وصول الفريق الأول .



الشيخ محمد الطاهر بن عاشور (رحمه الله)


الشيخ محمد الطاهر بن عاشور 
(رحمه الله)


الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ،هو : عالم وفقيه ،ومفسر تونسي ،من كبار علماء المغرب الإسلامي (المغرب العربي) ، ينتمي الى أسرة علمية عريقة ،منحدرة من الأندلس ، ترجع أصولها إلى أشراف المغرب الأدارسة تعلم بجامع الزيتونة ثم أصبح من كبار أساتذته ،تتلمذ علىه كبار علماء المغرب العربي ،برز في عدد من العلوم ونبغ فيها ، كعلوم الشريعة والحقيقة ، واللغة والأدب ، وكان متقنا للُّغة الفرنسية ، وعضواَ مراسَلاً في مجمع اللغة العربية في دمشق والقاهرة ، تولى مناصب علمية وإدارية بارزة كالتدريس ، والقضاء ، والإفتاء ، وتم تعيينه شيخاً لجامع الزيتونة .
ألف عشرات الكتب في التفسير ، والحديث ، والأصول ، واللغة ، وغيرها من العلوم ، منها تفسيره المسمَّى : " التحرير والتنوير" ، و" مقاصد الشريعة " ، و" كشف المغطا من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ " ، و" أصول الإنشاء والخطابة " ، و" النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح " ، وغيرها من الكتب النافعة .

ولد في تونس سنة (1296) هـجري قمري ، الموافق (1879) ميلادي ، وهو من أسرة متدينة محافظة ،أنجبت الكثير من العلماء ،والشيخ محمد طاهر بن الصادق بن عاشور ،مالكي المذهب ،أشعري العقيدة ، جنيدي السلوك .

كان على موعد مع لقاء الشيخ محمد عبده (رحمه الله) في تونس عندما زارها هذا الأخير في رجب سنة 1321 هـجري الموافق ل 1903 ميلادي . سمي حاكما بالمجلس المختلط سنة 1909 ميلادي ثم قاضيا مالكيا في سنة 1911 ميلادي ، ارتقى إلى رتبة الإفتاء وفي سنة 1932 ميلادي ،اختير لمنصب شيخ الإسلام المالكي، ولما حذفت النظارة العلمية ،أصبح أول شيخ لجامعة الزيتونة ،وأبعد عنها لأسباب سياسية ،ليعود إلى منصبه سنة 1945 ميلادي ،وظل به إلى ما بعد استقلال البلاد التونسية ،سنة 1956. ميلادي ،من أشهر أقرانه الذين رافقهم في جامعة الزيتونة: شيخ الأزهر الراحل محمد الخضر حسين، وابنه محمد الفاضل بن عاشور ،كان بدوره من كبار علماء الدين البارزين في تونس والمغرب العربي .

آثاره (مؤلفاته) :

* التحرير والتنوير، تفسير القرآن
* كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ
* النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح
* قصة المولد النبوي الشريف
* مقاصد الشريعة الإسلامية
* تحقيقات وأنظار في القرآن والسنة
* التوضيح والتصحيح (أصول الفقه)
* حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح (جزآن)
* أصول الإنشاء والخطابة
* موجز علم البلاغة
* أليس الصبح بقريب
* أصول النظام الاجتماعي في الإسلام
* الوقف وأثره في الإسلام
* نقد لكتاب الإسلام ونظام الحكم
* شرح لمقدمة المرزوقي لشرح ديوان الحماسة
* شرح قصيدة الأعشى
* شرح ديوان النابغة
* ديوان بشار، مقدمة وتحقيق
* الواضح في مشكلات شعر المتنبي لأبي القاسم الأصفهاني (تحقيق)
* قلائد العقيان في محاسن الأعيان للفتح بن خاقان القيسي (تحقيق)
* سرقات المتنبي ومشكل معانيه لإبن بسام النحوي (تحقيق)

وفاته :

توفي في تونس يوم 13رجب 1394 هـجري / 12 أغسطس 1973 ميلادي، عن عمر يناهز الـ (98) عاماً .

أقول العلماء فيه :

قال عنه صديقه الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر رحمه الله : " وللأستاذ فصاحةُ منطقٍ ، وبراعةُ بيانٍ ، ويضيف إلى غزارة العلم وقوّة النظر : صفاءَ الذوق ، وسعة الاطلاع في آداب اللغة ... كنت أرى فيه لساناً لهجته الصدق ، ... وهمَّةً طمَّاحة إلى المعالي ، وجِداً في العمل لا يَمَسه كلل ، ومحافظة على واجبات الدين وآدابه... وبالإجمال ليس إعجابي بوضاءة أخلاقه وسماحة آدابه بأقل من إعجابي بعبقريته في العلم" انتهى .

ووصفه محمد البشير ،قائلاً : " عَلَم من الأعلام الذين يعدّهم التاريخ الحاضر من ذخائره ، فهو إمام متبحِّر في العلوم الإسلامية ، مستقلّ في الاستدلال ، واسع الثراء من كنوزها ، فسيح الذرع بتحمّلها ، نافذ البصيرة في معقولها ، وافر الاطلاع على المنقول منها ، أقْرَأ ، وأفاد ، وتخرَّجت عليه طبقات ممتازة في التحقيق العلمي" انتهى .


 

الشیخ محمد الفاضل بن عاشور (رحمه الله)

الشیخ محمد الفاضل بن عاشور 
(رحمه الله)
 
 


الشيخ محمد الفاضل بن عاشور (رحمه الله) ،من علماء المغرب العربي ،تونسي الوطن ، مالكي المذهب ،أشعري العقيدة ، جنيدي السلوك ، أحد أهم علماء الدين الذين عرفتهم تونس والمغرب الإسلامي (العربي) ،في القرن العشرين ، ولد في مدينة تونس ، وذلك يوم 2 شوال سنة 1327 هـجري قمري ،الموافق لـ / 16 ( أكتوبر /تشرين الأول ) سنة 1909 ميلادي ،في بيت علم وأدب ،تربى في كنف والده الشيخ محمد الطاهر بن عاشور (رحمه الله) وهو من كبار العلماء في تونس والمغرب الإسلامي (المغرب العربي) ،نشأ في أسرة متدينة معروفة بحبها للعلم ،التحق بجامع الزيتونة ، ودرس على شيوخها ،وحصل على اجازة في التدريس ،كان من خيرة مدرسي جامع الزيتونة ،بعد الاستقلال ، أسندت إليه عمادة كلية الشريعة وأصول الدين في جامعة الزيتونة ،كان الشيخ محمد الفاضل بن عاشور (رحمه الله) خطيباً مفوّهًا، يشد سامعيه إليه شدا، وقد برز خاصة في الأربعينات في الأنشطة الداعمة للقضية الفلسطينية ، ترأس الشيخ محمد الفاضل بن عاشور (رحمه الله) الجمعية الخلدونية، وأراد أن يرتقي بالتعليم فيها من خلال تأسيس "معهد الحقوق العربي" و"معهد الفلسفة" ، سافر الشيخ محمد الفاضل بن عاشور (رحمه الله) ،في مهمات علمية إلى خارج تونس، وألقى محاضرات عديدة في عدد من الجامعات الأجنبية من بينها جامعة السوربون بباريس، وجامعة إستانبول في تركيا، وجامعة عليكرة في الهند، وجامعة الكويت. كما زار عدة بلدان من بينها الجزائر ومصر وسوريا ولبنان وإيطاليا وسويسرا والمغرب الأقصى وليبيا وألمانيا والنمسا واليونان ويوغسلافيا السابقة وبلغاريا...

نسبه :

هو الشيخ محمد الفاضل ،بن محمد الطاهر ،بن الصادق عاشور ، ينتمي الى اسرة علمائية معروفة ،ومشهورة في العالم الإسلامي ،والده صاحب تفسير _ التحرير والتنوير _وهو من كبار علماء المغرب الإسلامي (المغرب العربي) .

نشأته :

تربى في أحد بيوت الدين والعلم، إذ كان والده محمد الطاهر بن عاشور ،من كبار العلماء في تونس والمغرب العربي ،ان لم نقل من كبار علماء العالم الإسلامي ، وفي هذا المعنى يقول الفاضل بن عاشور: "ونشأت في ظل العناية المتوافرة من والدتي ووالدتها ووالدها ووالدي ووالده ووالدته والجدة الكبرى جدة والدي ووالدتي معا". بدأ حفظ القرآن العظيم ،وهو في الثالثة من عمره، أكمل حفظه ، عندما بلغ التاسعة من عمره ، كما حفظ بعض المتون في النحو والصرف ومقدمات اخرى ، ثم تعلم اللغة الفرنسية ، وفي سنة 1922 ميلادي ،بدأ دراسة مبادئ القراءات والتوحيد والفقه وعلمي النحو والصرف ، ثم التحق بجامع الزيتونة فدرس به إلى أن تحصل على شهادة التطويع سنة 1347هـ/1928م).

الوظائف التي تقلدها :

التحق الشيخ محمد الفاضل بن عاشور (رحمه الله) ، للتدريس بجامع الزيتونة ،سنة 1351هـ/1932م. وارتقى سلم المدرسين الزيتونيين حتى سمي مدرسا من الطبقة الأولى ، وبعد الاستقلال (1956م)، أسندت إليه عمادة كلية الشريعة وأصول الدين في جامعة الزيتونة سنة 1381هـ/1961م واستمر بها إلى أن انتقل الى رحمة ربه ، كما اشتغل في مناصب قضائية من بينها أنه ترأس المحكمة الشرعية العليا، وتولى منصب مفتي الجمهورية التونسية .

بين القومية والوطنية :

كان الشيخ محمد الفاضل بن عاشور خطيباً مفوّهًا، يشد سامعيه إليه شدا، وقد برز خاصة في الأربعينات في الأنشطة الداعمة للقضية الفلسطينية وفي تنظيم الاحتفالات احتفاء بتأسيس جامعة الدول العربية، وقد جلب له هذا النشاط التقدير والاحترام والتأثير في الوسط الزيتوني ،وفي الساحة الوطنية، وهو ما هيأه لأن يترأس الاتحاد العام التونسي للشغل ،عند تأسيسه في 20 جانفي 1946، كما عين في الديوان السياسي للحزب الحر الدستوري الجديد. لكن لم يستمر في هذه المكانة إذ سرعان ما استبعد خوفا من تأثيره الكبير .

نشاطه العلمي :

ترأس الشيخ محمد الفاضل بن عاشور جمعية الخلدونية، وأراد أن يرتقي بالتعليم فيها من خلال تأسيس "معهد الحقوق العربي" و"معهد الفلسفة"، وعمل من أجل توجيه الطلبة التونسيين إلى المشرق العربي.

سافر الشيخ محمد الفاضل بن عاشور (رحمه الله) في مهمات علمية إلى خارج تونس، وألقى محاضرات عديدة في عدد من الجامعات الأجنبية من بينها جامعة السوربون بباريس، وجامعة إستانبول في تركيا، وفي الهند وجامعة عليكرة في الهند، وجامعة الكويت. كما زار عدة بلدان من بينها الجزائر ومصر وسوريا ولبنان وإيطاليا وسويسرا والمغرب الأقصى وليبيا وألمانيا والنمسا واليونان ويوغسلافيا السابقة وبلغاريا...

من أهم المؤتمرات التي شارك فيها مؤتمرات المستشرقين بباريس، كما أنه عضو في المجمع اللغوي بالقاهرة، ورابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضو مراسل بالمجمع العلمي العربي بدمشق، ومجمع البحوث الإسلامية بمصر، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة .

من مؤلفاته

- الحركة الأدبية والفكرية في تونس، الدار التونسية للنشر، تونس، ط3، 1983.
- أركان النهضة الأدبية في تونس، مكتبة النجاح، تونس 1960.
- تراجم الأعلام، الدار التونسية للنشر، تونس 1970.
- المصطلح الفقهي في المذهب المالكي.
- أعلام الفكر الإسلامي في تاريخ المغرب العربي.
- التفسير ورجاله.

وفاته :

توفي بتونس يوم ( 12 صفر 1390 هـجري )(19 أفريل/19 نيسان1970ميلادي).


 

سيدي أحمد الزروق (رضي الله عنه)


سيدي أحمد الزروق (رضي الله عنه)

يقول عن نفسه رضي الله عنه : ولدت يوم الخميس عند طلوع الشمس 28 من شهر محرم 846 هجري و توفيت أمي يوم السبت بعده و أبي يوم الثلاثاء بعده، كلاهما في سابعي، فبقيت بعون الله بين جدتي الفقيهة أم البنين فكفلتني نفعنا الله بها و الفقيرة إلى رحمة الله, فكفلتني أم البنين حتى بلغت العشر فقرأت القرآن
فأدخلتني الصنعة, فتعلمت صناعة الخرز, ثم نقلني الله تعالى بعد بلوغي السادس عشر إلى القراءة فقرات الرسالة على الشيخ علي السطي و الشيخ عبد الله الفخار قراءة بحث و تحقيق, ثم قرأت القرآن على جماعة منهم القوري والزرهوني و كان رجلا صالحا, و المجاصي و الأستاذ الصغير كل ذلك بقراءة نافع, ثم اشتغلت بالتصوف و التوحيد, فأخذت الرسالة القدسية و عقائد الطوسي و عقائد السنوسي على الشيخ عبد الرحمن المجدولي وهو من تلاميذ الأبي, و أخذت بعض التنوير على أبي عبد الله القوري و سمعت عليه البخاري كثيرا و تفقهت عليه في كل من, أحكام عبد الحق الصغرى و جامع الترمذي " وأخذت ذلك تفقها " و صحبت من السالكين جماعة لا تحصى بين فقيه و فقير. و لفظ " زروق إنما جاءني من جهة الجد كان أزرق العينين و اكتسبه من أمه. إهـ
وهو من قبيلة البرانس البربرية التي تعيش في منطقة جبل البرانس ما بين فاس و تازة، و ولد رضي الله عنه في قرية تليوان بتلك المنطقة، لوالد كان من أهل الولاية والصلاح، حيث شيد على مدفنه في القرية بناية أنيقة تشتمل على مسجد جامع ومكان لسكن الإمام وتعرف بزاوية سيد أحمد زروق ولها أوقاف، ويحظى ضريح والده بتعظيم واحترام أهل القبيلة، وتشير السيرة التي كتبها الإمام إلى انه ولد وشب في مدينة فاس، وقد ورث زروق هذا اللقب عن جده الذي كان ازرق العينيين زرقة معروفة في العرق البربري، وحين ولد زروق اسماه أبوه محمدا، لكن ما لبث أن عرف باسم أبيه (أحمد) حين توفي الأب واحتفظ باسمه، وكان أحمد وحيد أبويه، وتوفي كلاهما في الأسبوع نفسه الذي تلا ميلاده نتيجة للطاعون الذي ضرب فاس في عام ولادته، وتربى في حجر جدته لأمه فاطمة والتي كانت تكنى بأم البنين أسوة بفاطمة بنت عبد الله الفهري وهي التي أنشأت جامع القرويين سنة 245 هــ، وكانت جدته سيدة فقيهة صالحة، وكانت الأسرة ذات عوز، وكانت الجدة ورعة صابرة، وحرصت الجدة على أن يشب حفيدها على خير وجه، فعلمته الصلاة وأمرته بها وهو ابن خمس، وأدخلته الكتاب في ذلك السن وعلمته التوحيد والتوكل والأيمان والديانة بطريقة ذكية، وكان تأثيرها على حفيدها عظيماً في صغره، ولما ناهز الاحتلام كانت تعينه بمالها على الاستقامة وتمنعه من الفساد، وتدربه على نضد الكتب ليتخذها وسيلة لتعلم القراءة للدين وحرفة لمعاشه، وكانت جدته أول من لقنه أصول السلوك وطرق التصرف في الحياة والمجتمع وساعدها في ذلك أفراد العائلة جميعهم، كما كان رضي الله عنه تلميذا مواظباً هادئاً في الكتاب، فأتم حفظ القران الكريم وهو ابن عشرة، كما تعلم الخرازة في تلك السن، وتوفيت جدته وهو في تلك السن، وتولى أحد أقاربه تربيته، وصار يكسب قوته بعد وفاة جدته كصبي خراز، حتى بلغ السادسة عشرة من عمره.
انتظم وهو ابن ستة عشر في سلك طلبة جامع القرويين والمدرسة العنانيه معاً، وصار يتردد عليهما لدراسة أمهات كتب المذهب المالكي والحديث والأصول وقواعد العربية، كما درس بعضاً من كتب التصوف، وتتلمذ على أشهر علماء فاس وفقهائها آنذاك، وعددهم يزيد على ثلاثين فقيهاً و محدثاً وفقيراً، كما درس أمهات الكتب، ومنها كتاب التنوير لابن عطاء الله السكندري، وبدأ صلته بمشايخ الطريقة الشاذلية وهو في العشرينات من عمره، فلزم مريدا للشيخ محمد الزيتوني بزاوية الشاذلية في فاس، وكتب تعليقه الأول على حكم ابن عطاء الله وهو في الرابعة والعشرين من عمره (عام 870 هــ ) وفي هذه السنة انطلق أحمد في سياحة أربعين يوماً كاملة بأمر شيخه، زار خلالها ضريح الشيخ شعيب أبو مدين بن الحسين ( المتوفى عام 596 هـ / 1198 م ) في تلمسان، وعاد إلى فاس بعد مخاطر عديدة قابلته في رحلته، وعناءً شديداً تكبده، ومكث في فاس بعدها ثلاث سنين مشتغلاً بالدرس والتأليف.
واتصل بشيوخ من البلاد المغاربية, كالشيخ الإمام عبد الرحمن الثعالبي و إبراهيم التازي و المشدالي و الشيخ حلواو و السراج الصغير و أحمد بن سعيد بن الحباك و ابن الرصّاع و الحافظ التنسي و الإمام السنوسي و ابن زكريا و أبو مهدي عيسى المواسي.
وفي عام 873هـ / 1468م . عزم زروق على أداء فريضة الحج، واستشار شيخه أحمد بن الحسن الغمارى فأشار عليه بأن يفعل وأذن له، فتحرك إلى القاهرة ومكث فيها فترة قصيرة، ثم غادرها إلى مكة والمدينة، وبعد أداء مناسك الحج لبث في المدينة مجاوراً مدة عام، حيث التقى ببعض مشايخ التصوف، ثم عاد من الحج إلى القاهرة واستقر فيها عام 876 هـ / 1471 م ، اتصل فيه بشيوخ التصوف وطرقه، وحضر الدروس في الأزهر، وكان من أهم من اتصل بهم من العلماء والمشايخ: محمد السخاوي، وأحمد بن حجر، وأبو اسحق التنوخي، ونور الدين السنهوري، و الولي شهاب الدين الأفشيطي و القطب أحمد بن عقبة الحضرمي و الذي أصبح مريدا في زاويته، وقرأ خلال تلك السنة من أمهات الكتاب في الفقه والحديث والتصوف، وبذلك اجتمع له في المغرب والمشرق شيوخ من الفقهاء والفقراء، وهو أمر أثر في مستقبل حياته وأفكاره، حيث رأى أن الفقه والتصوف موضوعان مترابطان، ومن هنا أطلق عليه لقب " الجامع بين الشريعة والحقيقة".
وقد كان للشيخ أحمد بن عقبة الحضرمي القادري اليمني والذي استوطن مصر تأثير كبير على الشيخ أحمد زروق، كما شهد من كراماته، وصحبه يستهدي بنصحه ثمانية شهور سلكه خلالها في طريقته القادرية وصار احد مريديه المخلصين، ثم قفل عائداً إلى بلده عام 877 هـ / 1473 م . وظل يتبادل الرسائل مع شيخه في طريق عودته إلى طرابلس الغرب فتونس و بجاية ( الجزائر) و فاس التي وصلها عام 879 هـ وخرج فقهاؤها لاستقباله على أطرافها، وعاش رضي الله عنه في فاس أربع سنوات كان خلالها دائم الهجوم على الفقهاء الجاهلين، والقراء المداهنين، والصوفية المنافقين في كثير من مؤلفاته ورسائله، وقد قوبل بصعوبة وسؤ فهم، إلا انه رغم كل الصعوبات استطاع إن يجمع بعض الأتباع الذي شكلوا فيما بعد نواة الطريقة الزروقية في المغرب، وقرر أن يهجر موطنه الأول الذي تنكر له إلى مستقر جديد، فقصد بجاية عام 884 هـ / 1479 م . حيث كان له رفاق وأتباع، ثم غادرها في أواخر سنة 884 هــ إلى القاهرة للاجتماع بشيخه الحضرمي، وقضى في القاهرة بقية العام و العام الذي يليه، و جدد علاقته مع العلماء، و صار شيخاً علماً له مكانته و يتحلق من حوله طلبة العلم و الأتباع، في السنة التالية ( 886 هــ / 1481 م ) قرر الشيخ السفر إلى مصراته بليبيا.
و قبل رحيله عن القاهرة ذهب لشيخه الحضرمي يودعه، فأخذ الحضرمي رقعة وكتب عليها هذين البيتين ورفعها إليه:
عش حامل الذكر بين الناس وارض به فذاك أسلم للدنيا وللدين
من خالط الناس لم تسلم ديانته و لم يزل بين تحريك و تسكين
و مصراته ثالث كبريات مدن ليبيا بعد طرابلس غرباً و بنغازي شرقاً، وهي مدينة كان سكانها عند الفتح الإسلامي بربراً خلصاً، و قد أقام الشيخ قبل استقراره بمصراته في طرابلس لفترة من الزمان و عرف مشاهير رجالها، ويعدّ بعضهم ضمن شيوخ زروق كأحمد بن عبد الرحمن اليزليتني المعروف بحلولو ، و علي الخروبي الطرابلسي وكان صديقاً حميماً للشيخ زروق و صار ابنه محمد احد أتباع الشيخ المخلصين .
جاء الشيخ إلى مصراته عام 886 هــ/ 1481 م وطاب له فيها المقام حيث قضى فيها بقية أيام حياته،وقد تكون المدينة أعجبته ببساطتها وصفائها، وبحياتها شبه البدوية ، ولعل ما ذكره المؤرخ الصوفي محمد بن ناصر الدرعي بعد مرور قرن من ذلك الزمان يصف مصراته ويقول: " وحسب مصراته أن زروق اختارها مسكناً وان الله اختارها له مدفناً، ذلك لما طبع عليه غالب أهلها من الحياء والتقشف ومحبة الصالحين والاعتناء بالمنتسب إلى طريقتهم ، ولما طبعوا عليه من الكلام من عدم الفحش، ولما فيهم من السخاء ولين الجانب للغريب ، وغير ذلك "
وقد كان من أقران الشيخ ولي مسلاته الشيخ عبد الواحد الدكالي وهو شيخ ولي زليتن الشهير عبد السلام الأسمر، حيث كان يأتي إليه الشيخ زروق من مصراته إلى بلد مسلاته على فرس حمراء وبيده رمح كما ذكر ذلك الشيخ عبد السلام الأسمر ، وقد أصاب الشيخ زروق في مصراته المكانة الرفيعة والتوقير العظيم من أهلها بسبب مكانته العلمية وشهرته الصوفية، وأصبح واحداً من أهلها ، وتجمع الطلبة والمريدون من حوله ، وصارت له الصدارة في مجالسهم ، وغدا ينشر علمه بين الناس في المسجد الذي كان يؤدي فيه صلاته قرب منزله، وتزوج أمة الجليل بنت أحمد بن زكريا المصراتي وحملت له ولدين وبنتاً ، فضلاً عن زوجته الفاسية فاطمة الزلاعية الني لحقت به من المغرب.
ولم يغادر مصراته بعد استقراره بها سوى مرتين ، الأولى سنة 91/ 892 هــ إلى الجزائر ليرعى بعض شؤونه هناك ويحضر أسرته، والثانية سنة 894 هـــ (1489م ) حيث أدى فريضة الحج للمرة الثالثة الأخيرة ، وقضى بعدها السنوات الأربع الباقية من حياته القصيرة الحافلة, أخذ عنه جماعة منهم الشمس اللقاني والشيخ محمد بن عبد الله الحطاب و الشيخ زين الدين طاهر القسنطيني نزيل مكة في جماعة.
وفي اليوم الثاني عشر من شهر صفر سنة 899 هـ ( 1493 م) وهي آخر سنه في سني القرن التاسع الهجري توفي أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى، زروق ، في خلوته، وعمره أربعة وخمسون عاماً ، وكان يدعو ربه أن يقبضه إليه قبل أن يشهد القرن العاشر، وقد استجاب الله لدعوته تلك ، وكان كل ما تركه من ارث بعده ، نصف فرس يشاركه فيها رجل مصراتي ، وبرنوساً أبيض وجبة وثوباً من الصوف ، ومسبحة أهداها إليها الحضرمي ، وأربعة عشر مجلداً من المؤلفات من مختلف الموضوعات .
لقد ولد فقيراً، وعاش فقيراً ومات فقيراً كما ولد وكما عاش رغم انتشار صيته وخدمة الدنيا وأهلها له.
أما النسوة والأولاد الذين خلفهم وراءه فهم زوجة زروق فاطمة الفاسية التي أنجبت له ولديه أحمد الأكبر وأحمد الأصغر ، وزوجته المصراتيه – امة الجليل – التي جاءته بإبنيه أحمد أبي الفتح وأحمد أبي الفضل بالإضافة إلى ابنته منها عائشة ، وقد توفي الثلاثة الأخيرين واحداً تلو الأخر ، أما ولداه أحمد الأكبر وأحمد الأصغر فقد غادرا مصراته بعد موته إلى المغرب، واستقر بهم الأمر في قسنطينة من مدن الجزائر ، وبعد فترة عاد ابنه أحمد الأصغر المعروف بأحمد الطالب إلى مصراته مرسلاً من قبل أخيه ليأخذ نصيب أمه وأخيه من ارث والده ويعود إلى الجزائر ، كما فاز ابنه أحمد الأكبر من ارث والده بسمعته وصيته ، وخلفه في شي من النفوذ على أتباعه بالجزائر ، ولم يسمع بعد هذا شي عن آل الشيخ زروق.
كان رضي الله عنه رجلاً قصيراً جميل الصورة ابيض البشرة، وكان يعاني من مرض يعاوده مدة أربعة أشهر بين الحين والأخر لمدة طويلة من عمره وكان خلال فترة مرضه لا يأكل سوى الزيتون الأسود، كما كان رضي الله عنه إنساناً خجولاً حيياً، و كان عصبيّ المزاج سريع الانفعال لحساسيته المفرطة وذلك قبل أن يبلغ الأربعين، ولم يبق شيء من ذلك بعد أن تجاوز الأربعين، وكان متواضعاً تقياً مرحاً لطيف المعشر وسهل المخالطة، وكان يخاطب أصحابه برقة ولطف ويناديهم بكني مضحكة أحياناً، وكان أتباعه سعداء كل السعادة بتلك الكنى.
وحين توفاه الله تكلم الناس من حوله عن تعدد كراماته وخوارقه، ولعل من أهم كراماته تلك الكنوز التي خلفها وراءه من المؤلفات العديدة والتي رغم ما فقد منها – وهو كثير – إلا أنها تشهد على انه رغم حياته القصيرة ترك تراثاً ثميناً وكبيراً وبأسلوب سهل ممتنع دقيق ومنظم.
و قد صنف المهتمون مؤلفات الشيخ زروق بحوالي 39 مؤلفاً في التصوف و 6 مؤلفات في الحديث و 10 مؤلفات في علم السيمياء ومؤلفان في السير الذاتية والتراجم وديوان شعر ومؤلفان في الطب ومؤلفان في تفسير القران الكريم وشرح الفاتحة و 10 مؤلفات في الفقه وثلاثة مؤلفات في علم الحروف ومؤلفان في العقائد ، فضلاً عن الشروح و التعليقات المختلفة، ومنها على سبيل التعريف 17 شرحاً للحكم العطائية.
تآليفه
- مفتاح السداد الفهمي في شرح (الإرشاد الفقهي) لابن عسكر البغدادي .
- شرح مختصر خليل في فقه المالكية.
- تعليق على مسلم
- شرح رسالة أبي زيد القيرواني
- علم مصطلح الحديث
- شرح الوغليسية.
- شرح القرطبية.
- شرح الغافقية.
- شرح العقيدة القدسية للغزالي.
- أكثر من عشرين شرح على حكم ابن عطاء.
- شرحان على حزب البحر.
- شرح الحزب الكبير لأبي الحسن الشاذلي و شرح مشكلاته.
- رسالة الأنس في التنبيه على عيوب النفس أو الرجز المعيوب
- رسالة في ترغيب سكنى المدينة
- شرح الدقائق والحقائق للتلمساني
- شرح الحقائق للمقلي.
- شرح قطع الششتري.
- شرح الأسماء الحسنى.
- شرح المراصد في التصوف لشيخه القطب أبي العباس أحمد بن عقبة الحضرمي.
- النصح الأنفع و الجنة للمعتصم من البدع بالسنة.
- مناسك الحج في الفقه
- إعانة المتوجه المسكين على طريق الفتح و التمكين.
- كتاب القواعد في التصوف.
- عدة المريد الصادق من أسباب المقت في بيان الطريق و ذكر حوادث الوقت " كتاب جليل في موضوعه فيه مائة فصل , بين فيه البدع التي يفعلها فقراء الصوفية".
- البدع والحوادث
- كتاب النصيحة الكافية لمن خصه الله بالعافية.
- تحفة المريد.
- الروضة.
- مزيل اللبس عن أدب أسرار القواعد الخمس.
- الكناشة.
- رسالة أصول الطريق
- شرح نظم ابن البناء الفاسي في التصوف.
- تعليق على البخاري "اقتصر فيه غالبا على ضبط الألفاظ للمحصلين لرياضة العلم و العمل

وبذلك صدقت عبارة الشيخ حين سأله خادمه أحمد عبد الرحيم يوماً بعد استقراره في مصراته: " إلا نبني هنا زاوية ونتخذ لها أوقافاً ؟ " وكان جواب الشيخ بالنفي القاطع وهو يقول : " يا أحمد نحن لا تفوح رائحة مسكنا إلا بعد ما نتسوس تحت التراب " و بعد وفاة الشيخ بعشرين عاماً كاملة كثر خلالها عدد الزائرين لضريحه ، وذاع صيته في الأفاق ، بنى أحمد عبد الرحيم جامعاً بجانب الضريح وعاش فيه ، وصار هذا الجامع بمرور الزمن " زاوية سيدي أحمد زروق" وأصبحت احد المعالم الرئيسية في المنطقة، ومعهداً دينياً معروفا في البلاد الليبية، يقصده كل من أتم حفظ الفران الكريم، ليقضى فيه فتره من الزمان يدرس خلالها اللغة العربية وأصول الفقه والشريعة والمعرفة الدينية الضرورية ، كما كانت مأوى للفقراء والمساكين ، ومقصداً للعلماء والفقهاء والصوفية من جميع أنحاء العالم الإسلامي ، وتتكون الزاوية من مسجد جامع وضريح الشيخ ومكتبة ومعهد لتحفيظ القران ، ولعل واقعها الآن لا يدل على ماضيها المشرق حيث تحتاج الزاوية إلى الإصلاح والتحديث.
كان للشيخ في حياته سلسلتان تصله أحداهما بالشيخ أبي الحسن الشاذلي، وتربطه الثانية بالشيخ عبد القادر الجيلاني ، وقد وضع الشيخ خلال حياته طريقة عرفت باسمه " الزروقية " يلحقها مؤرخو الطرق بالطريقة الشاذلية على أنها فرع منها ، وهي طريقة صوفية سنية اشتهرت في المغرب، وتفرع عنها ثلاثة عشر فرعاً تعتبر امتداداً لها، وانتشرت في الأقطار المغربية ومصر والحجاز ولبنان وفلسطين وجزيرة رودس وتشاد والنيجر، وسنفرد الحديث عنها في تصنيف أخر.
يفرغ المداد في الكتابة عن سيرة الشيخ زروق رحمه الله ولا يؤدّى حقه ، ونكتفي بما انقضى من الحديث عنه، ونختتم سيرته بذكر أسماء بعض تلاميذه: سيدي الشيخ إبراهيم الفحام و سيدي الشيخ عبد السلام الأسمر وليّ زليتن، والشيخ شمس الدين اللقاني المصري، والشيخ محمد علي الخروبي الولي الطرابلسي الشهير، وأبو حفصى عمر ألوزاني عالم الجزائر الشهير ، والشيخ أحمد بن يوسف الراشدي المصلح المشهور، وأبو راوي الفحل وليّ سوسة، وإبراهيم الخياط اليمني وكثير غيرهم ، ولم يقتصر تأثير الشيخ على تلاميذه، بل تعداه إلى تلاميذهم و تلاميذ تلاميذهم وهلم جرا، وفيما يلي باقة من أقوال الصالحين في الشيخ رحمه الله:
- " أنا دعوة زروق " أبو حفصى الوازني
- " إنه رأس السبعة الأبدال " محمد الزيتوني
- " الجامع بين الشريعة والحقيقة " قالها الكثير من العلماء
- " الولي الصالح المتبرك به حياً وميتا القطب " نور الدين الحسن اليوسي
- " من ليس في قلبه محبة زروق، فليس بمؤمن" أبو راوي الفحل
- " كان زاهداً ، فاضلاً ، منقطعاً إلى الله سبحانه وتعالى ، عارفاً به دالاً عليه، له همة عالية ، تخرج عليه جماعة، وانتفع به الناس شرقاً وغرباً، وله بركات ظاهرة ، وكرامات باهرة في الحياة وبعد الممات " محمد بن خليل بن غلبون صاحب التذكار
- "حجة الله في أرضه، ارتفع صيته عند الخاصة والكافة ، فهو كعبة الزوار، وحرم الأنوار ، ومعدن الأسرار ، الحي في قبره ، يتشعر ذلك كل من له ذوق سليم ، وطبع مستقيم" الحسين بن محمد السعيد الشريف الورثيلاني الجزائري.
- " هو قمة من قمم التصوف " الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر
- " لله دره ما اعلمه بالطريق وما اتبعه للسنة" عبد الرحمن الفكون
ونختتم سيرة الإمام أحمد زروق رحمه الله بأبيات من قصيدة لبعض أهل المحبة في الشيخ:
آ زروق أهل الله في كل برهة ومأوى العفاة في اليسار وفي العسر
فلا زلت للإحسان أهلا وموطناً ومأوى الخصال الساميات لدى الدهر
عليكم من الرحمن أزكى تحية وأسمى مهابات إلى الحشر والنشر
وصلى الذي ولاك مجداً وسؤدداً على المنتقى المبعوث للسود والحمر
و آله والأزواج طراً وصحبه ذوي النجدة الفيحاء والسادة الغرّ

تذييل
الشيخ الزروق وتسلسل حديث المصافحة
ذكر الشيخ محمد سليمان الروداني وهو عالم جليل ولد ونشأ وتعلم في المغرب وجاور بالحرمين وتوفي بدمشق سنة 1094 في سنده لروايته لحكم بن عطاء الله كما ذكره في حديث المصافحة حيث قال : " وأبو عثمان المغربي صافح أيضا محمد الخروبي الطرابلسي ، وهو صافح سيدي أحمد زروق، وهو صافح الشمس السخاوي..." إلى أن وصل إلى " خلف بن تميم قال :" دخلنا على أبي هرمز نعوده، فقال : دخلنا على انس بن مالك نعوده فقال : صافحت بكفي هذه كف رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فما مسست خزاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبو هرمز فقلنا لأنس : صافحنا بالكف التي صافحت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصافحنا فما مسست خزاً ولا حريراً ألين من كفه، وقال: السلام عليكم. قال خلف فقلنا لأبي هرمز : فصافحنا بالكف التي صافحت بها أنساً فصافحنا ، فما مسست خزاً ولا حريراً ألين من كفه، وقال: السلام عليكم ، وهكذا مسلسلاً بهذا إلى الشيخ زروق".
ومن الفوائد التي يعطيها حديث المصافحة هذا هي :
1. شدة الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتعلق به ابتداء من الصحابة والتابعين ومن اقتدى بهم من بعدهم تقديراً وحباً وتبركاً.
2. إن بين يد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريفة و يد الشيخ زروق خمس عشرة يداً، وهي منقبة تزاد في مناقبه.
3.مشروعية التبرك بآثار الصالحين.

المصادر
البستان في ذكر الأولياء و العلماء بتلمسان لابن مريم التلمساني
جمع وتصنيف ترجمة الزروق للمهندس / نبيل معين عساف


الشيخ محمد بن الصالح حمر العين (رضي الله عنه)



الشيخ محمد بن الصالح حمر العين
 (رضي الله عنه)


وُلِد الشيخ محمد صالح حمر العين (رحمه الله) سنة 1926ميلادي ،عام 1344 هجري ، في قرية أولاد حمر العين، قرب بلدية بني عزيز بولاية سطيف. نشأ في بيئة علمية، إذ كان لعائلته شرف تأسيس زاوية ''العين'' التي تداول عليها جموع طلبة العلم من كلّ الأقطار، ومنهم ، عمّه ،وأخوه ،وأبوه ،الذين كانوا أقطابا كذلك في العلم. كما كانت أمّه فقيهة، درس ابنها على يدها أصول العقائد.
وقبل ذلك حفظ القرآن الكريم وعمره ثلاثة عشر عامًا، ودرس الفقه والنّحو والصرف والبلاغة والمنطق والحساب والفلك.. على يد مشايخه: بن عمارة الزلاجي، علي بن كسيرة، موسى بن كسيرة، عمر صباح الخلفاوي، الحسين بن قارة وغيرهم.
ولمّا اندلعت الثورة المباركة اضطر إلى مغادرة منطقة القبائل الّتي كان يُدرِّس فيها علوم الدِّين واللغة العربية، والتحق بالثورة عضوًا في لجنة قضائية تابعة لجيش التحرير الوطني ، وكان مقرّبًا من الى الكثير من العلماء ، وصديقًا لأغلبية شيوخ الزوايا في منطقة سطيف .
كان عالماً فاضلاً ،محباً للخير وأهله ،عاشقاً لآل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذريتهم .
بعد الاستقلال وظّف في التعليم مدة من الزمن ، وفي آخر حياته درس مجموعة من طلبة العلم ،الفقه المالكي ،كما أخذوا عنه دروساً في العقيدة الأشعرية ،وكان الفقيد (رحمة الله عليه) أضبط أهل سطيف لمذهب الإمام مالك، حتّى أن الأساتذة الجامعيين المختصين في الشريعة يلجأون إليه لفك المعضلات. ولم يترك الشيخ (رحمه الله) أيّ تأليفات سوى كتاب بإلحاح من تلامذته في شرح الآجرومية الذي كان يلقيه تباعًا في مسجد الشيخ المقراني بحي ''راسيدور''، زيادة على أنّ له شعرًا كثيرًا ضاع على مرّ الزمن .

توفي فضيلة الشيخ محمد صالح حمر العين (ضي الله عنه) وهو أحد أبرز علماء منطقة سطيف وفضلائها الأجلاء ، وهو العالم اللّغوي ، والفقيه ، والشاعر ، يوم الأربعاء 27 رجب سنة 1432هـجري ، الموافق لـ29 جوان عام 2011 ميلادي، عن عمر يناهز 85 . ويعود للشيخ الفضل البارز على كثير من أئمة وطلبة العلم بمدينة سطيف، ولايكاد أحدهم يجهل قيمته العلمية، بل درس أغلبهم على يديه صنوف العلم. فكان شارحًا للعديد من المراجع من أمهات الكتب مثل: الجوهرة، والرحبية والآجرومية ،وقطر الندى ،وألفية ابن مالك ،ومتن ابن عاشر ،ورسالة ابن أبي زيد ،ومختصر خليل.
و شُيِّعت جنازة الفقيد (رحمه الله) ، بمقبرة سيدي الخَيِّر (رحمه الله) ، مع العلم بأنّ أحد تلامذته القاطن بفرنسا تجشّم عناء السفر والحضور مراسم الجنازة ،(رحمه الله رحمة واسعة وألهمه فسيح جنانه)



 

الشيخ محمد أمقران بن مالك (رحمه الله)


الشيخ محمد أمقران بن مالك 
(رحمه الله)
 


ينحدر الشيخ محمد أمقران بن مالك (رحمه الله) من قرية "إيغيل نايت مالك" التابعة لبلدية بني ورثيلان شمال سطيف ، اشتهر بعلمه والنافع ، ودوره المشهود في الإصلاح الديني ، ترعرع بين أحضان العلماء والفضلاء ، يذكر ان المرحوم كان له علاقة طيبة مع العقيد عميروش الذي التقى به في مدرسته ،بقلعة بني عباس الذي كان يزورها كثيرا ، والذي لازمه الى غاية استشهاده .
التقى الشيخ محمد أمقرن بن مالك بنخبة من العلماء من بينهم ،محمد الغزالي وغيرهم ...

توفي الشيخ محمد أمقران بن مالك (رحمه الله) أمام مسجد أبا ذر الغفاري (رضي الله عنه) بلنقار بسطيف عن عمر يناهز 94 سنة بعد صراع طويل مع المرض ، يوم 29 من شهر أبريل سنة 2014 ميلادي الموافق ليوم 29 جمادى الثاني عام 1435 هجري ،(رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته)
 
 
 

محمد بن أبي شنب (رحمه الله)

محمد بن أبي شنب (رحمه الله)
محمد بن أبي شنب هو أول جزائري

 حامل لشهادة الدكتوراه في العصر الحديث.
نبذة عن حياة العلامة ابن أبي شنب |(رحمه الله) :



هو علم من أعلام الجزائر، ما بين القرنين التاسع عشر ،والعشرين للميلاد، واختلف الباحثون حول مشاركته في الحركة الاجتماعية والإصلاحية التي تمخضت عنها الجزائر في فترة عصيبة من فترات التاريخ، وكان أحد شهودها ، إلا أن البحوث حوله لم يكن لها الخلاف حول علمه ونباهته وقدرته على التحقيق العلمي في زمن غلب التقليد على أهله .
التعريف بالشيخ بن أبي الشنب (رحمه الله) :
هو محمد بن العربي بن محمد بن أبي شنب ولد سنة 1869 م الموافق ل 10 رجب 1286 هـ بمدينة المدية بناحية تاكبو "عين الذهب" في الجزائر ونشأ في أسرة تعود جذورها إلى مدينة "بروسة" التركية وكانت على جانب من الغنى واليسار وتعمل بالزراعة.
وقد عنيت هذه الأسرة بتربية ابنها وتعليمه؛ فحفظ شيئا من القرآن العظيم ، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدارس منطقة المدنية ، التي أنشأتها فرنسا وفق خطتها في نشر ثقافتها؛ فتعلم الفرنسية وقرأ آدابها وتاريخها، وبعد أن أنهى تعليمه الثانوي التحق بمدرسة دار المعلمين الفرنسية ،ببو زريعة ،بالقرب من الجزائر العاصمة ، وقضى بها عامًا للدراسة تخرج بعدها مجازًا بتعليم اللغة الفرنسية وآدابها في المدارس الابتدائية.
نشأته وعلمه :
وُلد محمد بن العربي بن محمد أبي شنب (رحمه الله) يوم الثلاثاء 20 رجب 1286هـ، الموافق 26 أكتوبر 1869م، بمنطقة (عين الذهب) التي تبعد بحوالي ثلاث كيلومترات عن وسط مدينة المدية ، من عائلة تجمع بين الأصلين التركي والجزائري ، و هو النوع الذي يُعرف في التاريخ ، بـ زيجة الكراغلة ـ وهي عقود الزواج التي تجمع بين تركي وجزائرية ـ وهي أحد العائلات التركية المقيمة في الجزائر التي نجت من الطرد إلى (أزمير) التركية بعد الاحتلال الفرنسي .
ونشأ محمد في حجر والديه اللذان اعتنيا به، وحفظ القرآن العظيم عن شيخه (أحمد بارماق)، ثم توجه إلى تعلّم الفرنسية بالمكتب الابتدائي، أين تحصل على شهادة مكنته من الالتحاق بالمدرسة الثانوية، وسهل له ذلك الخط الذي انتهجته الفلسفة الاستعمارية التي تبنّت سياسة تعليم الأهالي بعد منعها بهدف تكوين نخبة منهم .
فتوجه ابن أبي شنب (رحمه الله) إلى الجزائر العاصمة سنة 1886م، والتحق بمدرسة المعلمين ـ Ecole normale) ببوزريعة ، وتخرج منها بعد سنتين وعمره يبلغ 19 سنة فقط.
وبعد ذلك، تم تعيينه معلما بالمكتب الرسمي في قرية (سيدي علي تامجارت) المعروفة حالياً بـ ـ وامري ـ [وامري ، بلدية من بلديات دائرة وامري بولاية المدية الجزائرية ،] فمكث فيه أربع سنوات، ثم انتقل إلى مكتب الشيخ إبراهيم فاتح الرسمي بالجزائر العاصمة ، ومنها إلى الجامعة الجزائرية ، أين تقدم للامتحان و أحرز شهادة اللغة العربية ، كما درس على الشيخ عبد الحليم بن سماية (رحمه الله) ،علوم البلاغة والمنطق والتوحيد، وناب عن الشيخ أبي القاسم ابن سديرة في دروسه العربية بالجامعة لمدة سنة كاملة.
وفي سنة 1896م حصل على شهادة البكالوريا، ولكنه تخلّف عن الامتحان النهائي بسبب إصابته بالجدري.
وفي عام 1898م عينته الأكاديمية أستاذا بالمدرسة الكتانية في قسنطينة خلفا للشيخ العلاّمة عبد القادر المجاوي (1848م ـ 1914م)عندما انتقل هذا الأخير إلى المدرسة الثعالبية بالجزائر العاصمة ، فأقرأ بها الشيخ ابن أبي شنب (رحمه الله) علوم النحو والصرف والفقه والأدب، ثم عين مدرسا بالمدرسة الثعالبية كذلك خلفا للشيخ عبد الرزاق الأشرف (1871م ـ 1924م) .
وفي 15 نوفمبر 1903 م، تزوج الشيخ بابنة الشيخ قدور بن محمود بن مصطفى، الإمام الثاني بالجامع الكبير، فرزق منها بخمسة ذكور وأربع إناث.
وفي حوالي 1904م، أسند إليه دراسة صحيح البخاري رواية بجامع سفير بالعاصمة، وارتقى في عام 1908م إلى رتبة محاضر بالجامعة.
وفي سنة 1920م انتخبه المجمع العلمي العربي بدمشق عضوا به، وفي نفس السنة تقدم لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة الجزائر فأحرزها بدرجة (ممتاز)، حيث ألف كتابين أحدهما يدور على أبي دلامة شاعر العباسيين، والثاني بحث ذكر فيه الألفاظ التركية والفارسية المستعملة في لغة أهالي الجزائر.
وفي سنة 1924م ، عُيّن الشيخ ابن أبي شنب ( رحمه الله ) أستاذا رسميا بكلية الآداب الكبرى في العاصمة، كما انتخبه المجمع العلمي الاستعماري بباريس عضوا عاملا به، كما انتخبته هيأة إدارة مجلس الجمعية التاريخية الفرنسية كاتبا عاما بها.
وكان محمد ـ رحمه الله ـ يتقن إلى جانب العربية اللغة الفرنسية والإنجليزية ،والإيطالية ،والأسبانية ،والألمانية ،والفارسية، وشيئا من اللاتينية ،والتركية، وهذا ـ إضافة إلى مكانته العلمية ودقة تحقيقاته ـ وهو ما جعل كثيرا من العلماء والمستشرقين يراسلونه ويكاتبونه، ومنهم على سبيل الذكر العلاّمة أحمد تيمور باشا ، ورئيس مجمع اللغة العربية بدمشق محمد كرد علي ، وعلامة تونس حسن حسني عبد الوهاب ، والمستشرقون أمثال (كوديرا) و(بلاثيوس) و(كراتشوفسكي).
كما انتُدب لتمثيل الجزائر في المؤتمرات الدولية الخاصة بالتراث العربي والإسلامي، وكان آخر ما حضره المؤتمر السابع عشر للمستشرقين بأوكسفورد ، أين قدّم بحثا عن الشاعر ابن خاتمة الأندلسي.
ومرض الشيخ ابن أبي شنب مرضا أعيا الأطباء شفاؤه ،فدخل مستشفى مصطفى باشا ،وتوفي شهرا بعد ذلك، في يوم الثلاثاء 26 شعبان 1347هـ الموافق 05 فبراير 1929م ودُفن يوما بعد ذلك في مقبرة سيدي عبد الرحمن الثعالبي بالجزائر العاصمة .
وترك الشيخ آثارا كثيرة ما بين تحقيق وتأليف، ومنها على سبيل المثال: مقدمة ابن الأبّار بالاشتراك مع المستشرق بيل، ثم نشر تكملته، كما حقق الرحلة الورثيلانية والدراية بعلماء بجاية ، وصنّف في تاريخ الرجال الذين رووا صحيح البخاري وأوصلوه إلى الجزائر واختلاف طرق الرواية في ذلك، وحقق مجموعا يحتوي على طبقات علماء إفريقية وطبقات علماء تونس. وصنف تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب وشرح مثلث قطرب، وغيرها كثير من المؤلفات والتحقيقات والترجمات .

اجتهاده ومناصبه :

شهد عليه ،يخطب بالفرنسية في مؤتمر المستشرقين في أكسفورد وهو في لباسه الوطني : عمامة صفراء وزنار عريض وسراويل مسترسلة ومعطف من صنع بلاده ،فأُخذ من هناك بسحر بيانه ،واتساعه في بحثه .
كان الدكتور ابن ابي شنب يحسن عدة لغات إلى جانب العربية والفرنسية ، كالفارسية والألمانية ،والإيطالية ،والإسبانية ،والتركية ،واللاتينية والعبرية ،لذا يرجع إليه الفضل في تكوين نواة لقسم الأدب المقارن ، حتى وإن لم يكن موجودا آنذاك ،لأن الجامعة الجزائرية كانت تخضع للنظام التعليمي الفرنسي ،غير ان بن أبي شنب (رحمه الله) ،يعدَ أول باحث جزائري اهتم باللغات وبالترجمة ،وبالتالي بالانفتاح على آداب الشعوب الأخرى، دراسة وتعليما وترجمة.
ولا يمكننا الحديث عن تدريس الأدب المقارن بدون الرجوع إلى اجتهاداته لأنه كان الوحيد القادر على الإنتاج في ميدان الأدب المقارن.
ونظم الشعر و نشر الدراسات العديدة ومنها ماهو في صميم الأدب المقارن، كالدراسة التي نشرها في «المجلة الإفريقية» سنة 1919 م بعنوان «الأصول الإسلامية للكوميديا الإلهية لدانته» .

مؤلفاته :

ألف أكثر من 50 كتاباً في تخصصات شتى كانت متداولة عند العرب والغربيين وفي العادات والتقاليد وقد أعاد الحياة لبعض المؤلفات بالنشر حقق في بعضها كانت منها :
عناوين لمؤلفاته الشخصية :
1. تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب 1906 و 1928
2. شرح لمثلثات قطرب 1906.
3. أبو دلامة وشعره وهو أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه التي حصل عليها سنة 1924
4. الأمثال العامية الدارجة في الجزائر وتونس والمغرب 3 أجزاء 1907.
5. الألفاظ الطليانية الدخيلة في لغة عامة الجزائر (لم يطبع)
6. فهرست الكتب المخطوطة في خزانة الجامع الأعظم بالجزائر 1909.
7. معجم بأسماء ما نشر في المغرب الأقصى (فاس) من الكتب ونقدها 1922.
8. خرائد العقود في فرائد القيود 1909.
9. الكلمات التركية والفارسية المستعملة في اللهجة الجزائرية
تحقيقاته في مؤلفات غيره :
1. البتسان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان لابن مريم التلمساني عام 1908
2. عنوان الدراية فيمن عرف من علماء المائة السابعة في بجاية للغبريني 1910
3. الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية 1920
4. الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية
5. تعليق على : وصايا الملوك وأبناء الملوك من أولاد الملك قحطان بن هود النبي.
6. شرح ديوان عروة بن الورد لابن السكيت 1926
7. طبقات علماء أفريقية لأبي ذر الخشني ترجم للفرنسية 1915
8. ترجم إلى الفرنسية رسالة للإمام الغزالي في رياضة الأولاد وتربيتهم نشرت بالمجلة الإفريقية "la revue africaine" سنة 1901.
9. الجمل تأليف الزجاجي
مؤلّفات وتحقيقات :
1 ـ تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب, 1906 و 1928م.
2 ـ شرح لمثلثات قطرب 1906م.
3 ـ أبو دلامة وشعره، وهو أطروحته للدكتوراة التي حصل عليها سنة 1924م، حيث قدمها مع أطروحة أخرى هي الألفاظ التركية والفارسية الباقية في اللهجة الجزائرية.
4 ـ الأمثال العامية الدارجة في الجزائر وتونس والمغرب، ثلاثة أجزاء 1907م.
5 ـ الألفاظ الطليانية الدخيلة في لغة عامة الجزائر، (مخطوط).
6 ـ فهرست الكتب المخطوطة في خزانة الجامع الأعظم بالجزائر 1909م.
7 ـ معجم بأسماء ما نشر في المغرب الأقصى فاس من الكتب ونقدها 1922م.
8 ـ خرائد العقود في فرائد القيود 1909م
9 - رسالة في المنطق
10 - مجموع أمثال العوام في أرض الجزائر والمغرب
11 - رحلة الورتلاني
الكتب والمؤلفات :
وصحّح 1 ـ البستان 1908م.
2 ـ عنوان الدراية 1910م.
3 ـ الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية 1920م.
4 ـ الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية.
5 ـ طرس الأخبار بما جرى آخر الأربعين من القرن الثالث عشر للمسلمين مع الكفار ،وهو من تأليف الشيخ محمّد العربي المشرقي الغريسي.
6 ـ وصايا الملوك وأبناء الملوك من أولاد الملك قحطان ابن هود النبي مع تعليقات عليه.
7 ـ شرح ديوان عروة بن الورد لابن السكيت 1926م
مواقفه :
عرف ابن أبي شنب بتواضعه ،وسعة إطلاعه وحسن معاملته للناس، وفي هذا الصدد تتردد حوله النادرة التالية: « كان في يوم من الأيام في القطار متوجها إلى مسقط رأسه إلى الجزائر العاصمة للإشراف على امتحانات الثانوية العامة، أي الباكالوريا، وإذا بشابين أوروبيين يجلسان جنبه في عربة القطار، وبدءا يسخران منه ومن لباسه التقليدي، فلم يهتم بهما لأنه كان يواصل تفحص ملفاته، وفي صباح الغد، وجد الشابان نفسهما أمامه، ففوجئا، لأنه أشرف على امتحانهما الشفوي، ولم يقل لهما أي شيء، أما هما فقد اعتراهما الخجل لما بدر منهما حينما التقياه في القطار. هذه النادرة تبين مدى تسامحه وتواضعه.
ومما امتاز به المرحوم محافظته على الزي الوطني والأخلاق والعادات والتقاليد الجزائرية، والتزامه التكلم بلغته العربية، حتى خيل الى الناس أنه لم يكن يحسن اللغة الفرنسية تماما، وكان من يراه لايخطر بباله أنه من أكبر علماء الجزائر.
صلة الوصل بين الشرق والغرب :
فرض دور محمد بن أبي شنب (رحمه الله) نفسه في الأوساط الثقافية في الجزائر و خارجها، وكانت له علاقة وطيدة مع الكثير من الكتاب العرب و المستشرقين والمهتمين بالثقافة العربية.
أتى في ظرف تاريخي معين جعله يركز كل جهده على البحث والكتابة. ومن خلال قراءتنا للمادة المتوافرة، برغم من قلتها، وجدنا في فكر محمد بن أبي شنب (رحمه الله) فكرا أكاديميا متكاملا، فقد اهتم بالتراث الشعبي الجزائري ،واللهجة المحلية النمطية والاهتمام بالتراث العربي الإسلامي بالاضافة إلى دراساته الأكاديمية الاخرى.
يطرح البحث عن العلامة محمد بن ابي شنب (رحمه الله) تساؤلات حول عدم اهتمام الباحثين الجزائريين خاصة والعرب عامة به ، وهو الذي شكل حلقة وصل بين البحث الأكاديمي الفرنسي و البحث الأكاديمي العربي .
وسنرى انه تطرق إلى مواد معرفية مختلفة، وكانت اللغة الفرنسية تحاصره، لانه كان مضطرا للكتابة بها، لاسيما ان الجزائر كانت قد تعرضت للاستعمار لمدة اكثر من 130 سنة، فلم يكتف الاستعمار بنهب خيرات البلد والتسلط عليها فحسب، بل سعى إلى افراغ الشخصية الجزائرية من اصالتها الوطنية ،والقومية ،مستعملا كل الاساليب والوسائل ففرض تعليم اللغة الفرنسية و «فرنست» كل مجالات الحياة الادراية و التعليمية و فرض على الشعب الجزائري الكتابة والتعليم بلغته، بل فرض عليه دراسة تاريخ فرنسا وتراثها فكان كل من يريد ان يتعلم العربية ويدافع عنها يجد صعوبات جمة في تحقيق هدفه .
هذا بالضافة إلى الاتجاه الاستعماري في بحث وجمع مواد الثقافة والعلوم بجميع اصنافها في الجزائر.
ولم ينتهي هذا الاتجاه بانتهاء واقع الاستعمار، إذ أن تأثيره ظل فاعلا بالنخبة المثقفة من ابناء الجزائر سواء خلال الفترة الاستعمارية أم في فترة ما بعد الاستقلال، كما نرى في كتابات بعض افراد هذه النخبة الذين ظهرو اواخرا القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وهم أولئك الذين انتموا إلى الحركة الثقافية والعلمية التي نشطت في تلك الفترة والتي مثلت الوجه شبه الرسمي للمؤسسة الثقافية الجزائرية، حيث عالج الدكتور أبو القاسم سعد الله على سبيل المثال، في كتابة «تاريخ الجزائر الثقافي» هذه الاشكاليات بالبحث والتنقيب وخصص لها عدة اجزاء، كما تكلم فيه عن الأدباء والعلماء والمثقفين الجزائريين الذين عاصروا مختلف تلك المراحل ومن بينهم طبعا العلامة محمد بن ابي شنب (رحمه الله) الذي ولد وسط هذه الأجواء ، بمدينة المدية الواقعة على بعد 90 كيلومترا جنوب الجزائر العاصمة .

قيل عنه :

-أستاذه الشيخ عبد الحليم بن سماية: ما علمت في حياتي كلها معلما يرجع إلى تلميذه غيري و إنني معترف له بالفضل و النبوغ.
-أستاذ احمد راسم: لقد كان معجما لغويا يمشي على وجه الأرض.
-M. Maritino عميد كلية الآداب في جامعة الجزائر: كان بن أبي شنب قليل النظير في الجزائر فهو عديم المثال في فرنسا... و كانت حياته مما يضرب بها الأمثال لدى الحكومة الفرنسية. وقال أيضا عنه: «إن السيد ابن أبي شنب كان صوت الأديب المسلم الذي عرف كيف يطلع على الأساليب الأوروبية في العمل من دون أن يفد شيئا من صفاته وعاداته[…] وعرف لوازم النقد العلمي وقد حضي بالاعتراف بقدرة، ففي العام 1920 انتخبه المجتمع العلمي بدمشق عضوا من أعضائه، وفي العام 1922 قلدته حكومة الجمهورية الفرنسية وسام فارس جوقة الشرف. وكان يمتاز بصفات تجعل كل من يعرفه يكنَ له المحبة والتقدير، فقد كان بخاصة كريم النفس، متميز العقل، عفيف اللسان في الإفصاح عن العواطف والاتزام بالاستقامة التامة.
-المستشرق الفرنسي ألفريد : كان ابن ابي شنب مخلصا لدينه ، ومتمسكا بلباسه التقليدي، و لكي لا يتنكر لتقاليده الإسلامية لم ير من الواجب أخذ الجنسية الفرنسية مما يجبره على التخلي عن الشرائع الإسلامية وعن منزلته الشخصية.
- الباحث الجزائري الدكتور عبد المجيد حنون يقول:«كان محمد بن أبي شنب (رحمه الله) مستشرقا قبل كل شيء، إلا أنه كان أول أستاذ جامعي جزائري، من جهة، ومتعدد اللغات من جهة ثانية. درس الأصول الإسلامية في الكوميديا الإلهية لدانته في بحث له بالفرنسية طبعه سنة 1919م. بحث في أصول العديد من القضايا اللغوية و الأدبية، فكان بذلك الانفتاح على الغير حتى وإن كان من الصعب أن نعده مقارنا.
_ صديقه وأستاذه جورج مارسه:( كنا نرجع إليه ونستضيء بضيائه وكنا نناديه ،شيخنا ، فإنه كان يجمع إلى صفات العلم والعالم الحقيقي صفات الصلاح والطيبة )
_ أما الشيخ شيخ عبد الرحمن الجيلالي فقد نعاه قائلا “يبكيك العلم والأدب، وتبكيك المنابر والمجالس التي كانت تزهو على غيرها بلذيذ دروسكم الشيقة، ومحاضرتكم الرائقة، وما علينا في الحال إلا بالصبر والدعاء لك، والله يستجيب ويجازيك يا حضرة الأستاذ خيرا عميما، ونعيما في فراديس الجنان مقيما، ويرزق أهلك وتلامذتك ومحبيك الصبر الجميل، والأجر الجزيل.

إنتاج شعري
كتب ابن أبي شنب الشعر الملحون، كما كتب الشعر المقفى، ونظَم عدة القصائد في الجزائر في مدح بلدته وفي أغراض أخرى. وحثَ على تزود بالعلم .

وفاته :

كان محمد بن أبي شنب صورة الأديب والعالم المسلم الذي عرف كيف يطلع على الأساليب الأوروبية في العمل دون أن يفقد شيئا من صفاته وعاداته، وأورثته سعة علمه زهدا وتواضعا ورغبة في تلبية كل طالب علم قصده في مسألة أو قضية.
ولم ينقطع ابن أبي شنب عن الدراسة والتحقيق وإلقاء المحاضرات في قاعات الدرس حتى وفاه الأجل المحتوم عن عمر يناهز 60 سنة وهذا يوم الثلاثاء 26 من شعبان 1347 ه الموافق ل 05 فبراير 1929 م وهذا إثر مرض أدخله المستشفى "مصطفى باشا" و ووري التراب (رحمه الله) بمقبرة سيدي عبد الرحمن بالجزائر العاصمة .


عبد الحليم بن سماية (رحمه الله)

عبد الحليم بن سماية (رحمه الله)


عبد الحليم بن سماية (رحمه الله) عالم دين وشاعر جزائري ولد سنة 1866م وتوفي سنة 1933م. كان من أشد الناقمين على الاستعمار الفرنسي، عمل صحفيا في عدد من الصحف الجزائرية والتونسية; له عدة كتب في الفقه والفلسفة والتصوف ،لكنها كلها مفقودة أشاد به كثيرا ،الشيخ محمد عبده ،رحمه الله ،في زيارته للجزائر سنة 1903م قيل أنه أصيب بالجنون في أخر أيامه حيث إتخذ فرسا أبيضا وسيفا وعمامة وعين نفسه باشا الجزائر أي حاكما عثمانيا مما يدل على كرهه الشديد للفرنسيين وذكر الدكتور احمد توفيق المدني أنه لقيه على هيئته هذه وهو على فرسه فطلب منه أن يعلمه شيئا من علم المنطق فقال له الشيخ خذ ورقة وقلم وأملى عليه كما قال خلاصة وافية لعلم المنطق حتى تعب وتوقف من الكتابة بعدما تجاوز العشر صفحات .

الشيخ عبد الرحمان الجيلالي (رحمه الله)

الشيخ عبد الرحمان الجيلالي (رحمه الله)




الشيخ عبد الرحمن بن محمد الجيلالي الحسني ،فقيه وعالم ،ومؤرخ ،وأديب ،ومفكر جزائري ، ولد في اليوم التاسع من شهر _فبراير ،شباط (فيفري) _ من سنة 1908 ميلادية بالجزائر العاصمة بحي بولوغين ، في عائلة شريفة .

نشأته ودراسته :

يعود نسبه إلى عبد القادر الجيلاني من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) الهاشمي القرشي ويقطن قومه بسهول متيجة.

حفظ القرآن العظيم ،ودرس و تتلمذ على عدة شيوخ في المساجد ،والجوامع ،والزوايا، ومنهم ،عبد الحميد بن سمايا ،وعبد الحليم بن سماية الذي كان من منتقدي النظام الاستعماري رغم أنه كان أستاذا في إحدى المدارس الرسمية، كما تتلمذ الشيخ الجيلالي على الشيخ المولود الزريبي الأزهري الذي كان مصلحا ثائرا، وكان الزريبي قد تخرج من الأزهر وعاد إلى الجزائر ليدعو إلى النهضة والإصلاح ولكنه واجه العقوق والركود.

كما درس الجيلالي على الشيخ الحفناوي صاحب (تعريف الخلف)، الذي كان من رجال الدين الرسميين ومن الصحفيين الذين عملوا في جريدة المبشر الرسمية طويلا. ودرس الجيلالي على الشيخ محمد بن أبي شنب أيضا ،حتى أصبح فقيها و عالما في الشريعة و علوم الفقه و اللغة .

التدريس

ومهما كان الأمر فإن ثقافة الشيخ الجيلالي (رحمه الله) كانت عصامية، وشملت التعمق في القرآن والحديث والأدب والتاريخ والفقه. وقد تولى التدريس بدوره في مدرسة الشبيبة الإسلامية أثناء إدارة الشاعر محمد العيد لها خلال الثلاثينات. ولم يكن نشاطه بارزا لولا بعض المقالات القليلة في الشهاب، وكتابه في ذكرى محمد بن أبي شنب سنة 1933.

درس الجيلالي في المساجد الآتية بالعاصمة: الكبير ،والجديد ،وسيدي رمضان والسفير(صفر) وكذلك في مدرسة الإحساس ومدرسة الهداية، ومن تآليفه المخطوطة: فن التصوير والرسم عبر العصور الإسلامية، والمستشرقون الفرنسيون والحضارة الإسلامية، وفنون الطلاسم، والربقع المجيب.

نشاطه وانتاجاته :

رصيد الشيخ الجيلالي زاخر من النشاط العلمي والديني. تاريخ الجزائر العام أوائل الخمسينات (1953)، وهو في جزئين. وقد تناول التاريخ من أقدم العصور إلى العهد العثماني.

وللشيخ عبد الرحمان الجيلالي عشرات الأعمال في مختلف الميادين الدينية، والأدبية، الفنية والتاريخية، جعلته يتحصل على أوسمة استحقاق من مؤسسات علمية متخصصة. كما ساهم في تأسيس مجلة الأصالة الصادرة عن المجلس الإسلامي الأعلى. كما قدم الشيخ الجيلالي محاضرات في 14 طبعة من مؤتمر الفكر الإسلامي،

كان عضوا فعالا في الديوان الوطني لحقوق التأليف. وحاز عضوية المجلس الإسلامي الأعلى غداة الاستقلال في لجنة الفتوى التي كان يشرف عليها أحمد حماني.

للشيخ عبد الرحمان الجيلالي عدة مقالات في الصحف والمجلات الجزائرية إضافة إلى مؤلفات أخرى مثل كتاب تاريخ الجزائر العام المنشور في جزئين وكتاب تاريخ المدن الثلاث: الجزائر، المدية، مليانة، وكتاب خاص بذكرى العلامة الدكتور بن أبي شنب، وكتاب حول العملة الجزائرية في عهد الأمير عبد القادر، وكتاب ابن خلدون في الجزائر.

كرمت جامعة الجزائر الشيخ عبد الرحمان الجيلالي بمنحه شهادة دكتوراه فخرية.

عرف العلامة الشيخ عبد الرحمن الجيلالي بتقديمه لحصص إذاعية و تلفزيونية حول الأحاديث الدينية و الفتاوى. وتحصل العلامة عبد الرحمن الجيلالي الذي عمل أستاذا جامعيا و مدرسا للفقه الجامعي المالكي وقد حصل على جائزة الجزائر الأدبية الكبرى سنة 1960 و على شهادة تقدير من رئيس الجمهورية سنة 1987.

وفاته :

وفي يوم الجمعة 12 من شهر _ نوفمبر , تشرين الثاني _ سنة 2010 ميلادية الموافق 6 من شهر ذو الحجة الحرام عام 1431 هجرية ، توفي العلامة الكبير الشيخ عبد الرحمن الجيلالي (رحمه الله) بمستشفى عين طاية بالجزائر العاصمة - الجزائر ،عن عمر يناهز 103 سنوات ، وقد تم دفن المرحوم بعد صلاة الظهر اليوم الجمعة بمقبرة سيدي امحمد بالجزائر العاصمة _ الجزائر .